يخففه لِأَن النكرَة تخفف وَلَا تُعَدّ فرعا وَقَالَ غَيرهم هُوَ معرفَة وَهَذَا محَال لِأَنَّهُ صفة للنكرة قَالَ الله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلَاثَ ورُبَاع} [فاطر: ١) فَمَعْنَاه اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ قَالَ الشَّاعِر:
(وَلَكِنَّمَا أَهْلِي بوادٍ أنِيسُهُ ... سِبَاعٌ تَبَغَّى النَّاسَ مَثْنَى ومَوْحَدُ)
وَقَالَ فِي سُورَة الْمَلَائِكَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلَاثَ ورُبَاع} [فاطر: ١] فتح ثُلاث ورُباع لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف لعلتين إِحْدَاهمَا أَن معدول عَن ثلاثةٍ ثلاثةٍ وأربعةٍ أَرْبَعَة واثنين اثْنَيْنِ وَالثَّانيَِة أنَّ عَدْلَة وَقع فِي حَال النكرَة فَأنْكر هَذَا القولَ فِي النِّسَاء على من قَالَه فَقَالَ العَدْل عَن النكرَة لَا يُوجد أَن يُمْنَع من الصّرْف لَهُ قَالَ أَبُو عَليّ رادًّا عَلَيْهِ: اعْلَم أَن العَدْلَ ضَرْبٌ من الِاشْتِقَاق ونوعٌ مِنْهُ فَكل مَعْدُولٍ مشتقٌ وَلَيْسَ كلُّ مشتقٍ معدوً وَإِنَّمَا صَار ثِقَلاً وَثَانِيا أَنَّك تلفظ بِالْكَلِمَةِ وتريد بهَا كلمة على لفظ آخر فَمن هَاهُنَا صَار ثقلاً وَثَانِيا أَلا ترى أَنَّك تُرِيدُ بِعُمَر وزُفَر فِي الْمعرفَة عَامِرًا وزافراً معرفتين فَأَنت تلفظ بِكَلِمَة وتريد أُخْرَى وَلَيْسَ كَذَلِك سائرُ المشتقات لِأَنَّك تريدُ بِسَائِر مَا تشتقه نفسَ الْفظ المشتقِّ المسموع ولستَ تُحِيلُ بِهِ على لفظ آخر يدل على ذَلِك أَن ضَارِبًا ومَضْرُوباً ومُسْتَضرباً ومُضْطَرِباً وَنَحْو ذَلِك لَا تُرِيدُ بِلَفْظ شَيْء مِنْهُ لفظَ غَيره كَمَا تُرِيدُ بِعُمَر عامِراً وبَزُفَر زَافِراً وبَمَثْنى اثْنَيْنِ فَصَارَ المعدول لِما ذكرنَا من مُخَالفَته لسَائِر المشتقات ثِقَلاً إِذْ لَيْسَ فِي هَذَا الْجِنْس شَيْء على حَده فَلَمَّا كَانَ الْعدْل فِي كَلَامهم مَا وصفناه لم يجز أَن يكون العدلُ فِي الْمَعْنى على حدّ كَونه فِي اللفظِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الْمَعْنى على حدّ كَونه فِي اللَّفْظ لوَجَبَ أَن يكون الْمَعْنى فِي حَال العَدْلِ غيرَ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ قبل الْعدْل كَمَا أَن لفظَ الْعدْل غيرُ اللَّفْظ الَّذِي كَانَ قبل الْعدْل وَلَيْسَ الأمرُ كَذَلِك أَلا ترى أنَّ الْمَعْنى فِي عُمر هُوَ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ فِي عَامر وَالْمعْنَى الَّذِي فِي مَثْنَى هُوَ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ فِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ على أَن العَدْلَ فِي الْمَعْنى لَو كَانَ ثِقَلاً عِنْدهم وَثَانِيا فِي هَذَا الضَّرْبِ من الِاشْتِقَاق لوَجَبَ أَن يكون ثَانِيًا فِي سَائِر الِاشْتِقَاق الَّذِي لَيْسَ بِعدْل كَمَا أنَّ التَّعْرِيف لما كَانَ ثَانِيًا كَانَ مَعَ جَمِيع الْأَسْبَاب الْمَانِعَة من الصَّرف ثَانِيًا فَلَو كَانَ العدلُ فِي الْمَعْنى ثِقَلاً لَكَانَ فِي سَائِر الِاشْتِقَاق كَذَلِك كَمَا أَن التعريفَ لما كَانَ ثِقَلاً كَانَ مَعَ سَائِر الْأَسْبَاب الْمَانِعَة للصرف كَذَلِك وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ يجب من هَذَا مَتى انْضَمَّ إِلَى بعض المشتقات من أَسمَاء الفاعِلين أَو المَفْعُولِين أَو المكانِ أَو الزَّمانِ أَو غيرِ ذَلِك التعريفُ أَن لَا يَنْصَرَفَ لحُصُول الْمَعْنيين فِيهِ وهما عَدْل الْمَعْنى والتعريفُ كَمَا لَا ينْصَرف إِذا انْضَمَّ إِلَى عدل اللَّفْظ التعريفُ وَلَيْسَ الأمرُ كَذَلِك فَإِذا كَانَ الحكم بِالْعَدْلِ فِي الْمَعْنى يُؤَدِّي إِلَى هَذَا الَّذِي هُوَ خطأ بِلَا إِشْكَال عَلِمْتَ أَنه فَاسد وَأَيْضًا فإنَّ العَدْلَ فِي الْمَعْنى فِي هَذِه الْأَشْيَاء لَا يَصِحُّ كَمَا صحَّ الْعدْل فِي اللَّفْظ لأنَّ المعانِيَ الَّتِي كَانَت أسماءُ المعدولِ عَنْهَا تَدُلُّ عَلَيْهَا مرادةٌ مَعَ الْأَلْفَاظ المعدولة كَمَا كَانَت المرادةَ فِي الْأَلْفَاظ المعدول عَنْهَا هِيَ فَكيف يجوز أَن يُقَال إِنَّه معدولٌ عَنْهَا كَمَا يُقَال فِي الْأَلْفَاظ وَهِي مُرَادَةٌ مَقْصُودَة أَلا ترى أَنَّك تُرِيدُ من قَوْلك عُمَر الْمَعْنى الَّذِي كَانَ يدل عَلَيْهِ عَامر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute