للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَا تُنَاسِبُ الفعلَ وَذَلِكَ قولُكَ لِلهِ دَرُّكَ وزيدٌ صاحبُ عَمْرو وَأما مَا حَكَاهُ أَبُو زيد من قَوْلهم: تَأَلَّهَ الرجل فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون على ضَرْبَيْنِ من التَّأْوِيل يجوز أَن يكون كَمُتَعَبِدٍ والتَّعَبُدِ وَيجوز أَن يكون مأخوذاً من الِاسْم دون الْمصدر على حدّ قَوْلك اسْتَحْجَرَ الطينُ واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ فَيكون الْمَعْنى أَنه يفعل الأفعالَ المُقَرِّبَةِ إِلَى الإِلَهِ والمُسْتَحق بهَا الثَّوَاب وَتسَمى الشمسُ الإِلَاهَةَ وإلَاهَةَ وروى لنا ذَلِك عَن قُطْرُب وَأنْشد قَول الشَّاعِر:

(تَرَوَّحْنَا من اللَّعْبَاءِ قَصْراً ... وأَعْجَلْنَا إِلَاهَةَ أَنْ تَؤُوبا)

فكأنهم سَموهَا إلَاهَةَ على نَحْو تعظيمهم لَهَا وعبادتهم إِيَّاهَا وَعَن ذَلِك نَهَاهُم الله عز وَجل وَأمرهمْ بالتوجه فِي الْعِبَادَة إِلَيْهِ دون مَا خَلَقَهُ وأَوْجَدَهُ بعد أَن لم يكن فَقَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ والشَّمْسُ والقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا للشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: ٣٧] ويدلك على مَا ذكرنَا من مَذْهَب الْعَرَب فِي تسميتهم الشَّمْس إلاهَةَ أَنه غير مَصْرُوف فقوى ذَلِك لِأَنَّهُ مَنْقُول إِذْ كَانَ مَخْصُوصًا وَأكْثر الْأَسْمَاء المختصة الْأَعْلَام منقولةٌ نَحْو زيد وأسدُ مَا يَكْثُر تعدادُه من ذَلِك فَكَذَلِك إلهَةٌ تكون منقولة من إلاهَةَ الَّتِي هِيَ الْعِبَادَة لما ذكرنَا وَأنْشد الْبَيْت الْمُتَقَدّم الذّكر:

(وأَعْجَلْنَا إلَاهَةَ أَنْ تَؤُوبَا ... )

غير مَصْرُوف بِلَا ألف وَلَام فَهَذَا معنى الإِلَه فِي اللُّغَة وَتَفْسِير ابْن عَبَّاس لقراءةَ من قَرَأَ {ويَذَرَكَ وألَهَتَكَ} قد جَاءَ على هَذَا الحدّ غير شَيْء قَالَ أَبُو زيد: لَقِيْتُهُ نَدَرَى وَفِي النَّدَرَى وفَيْنَةً والفَيْنَة بعدَ الفَيْنَة وَفِي التَّنْزِيل: {وَلَا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً} [نوح: ٢٣] وَقَالَ الشَّاعِر:

(أما ودِمَاءٍ لَا تَزالُ كَأَنَّهَا ... على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما)

قَالَ فَهَذَا مِثْلُ مَا ذكرنَا من إلَهَةَ والإِلَهَةَ والإِلَهَةَ فِي دُخُول اللَّام الْمعرفَة الِاسْم مرّة وسقوطها أُخْرَى فَأَما من قَرَأَ ويَذَرَكَ وآلِهَتَكَ فَهُوَ جمع إلَهٍ كَقَوْلِك إزارٌ وآزِرَةٌ وإناءٌ وآنيةٌ وَالْمعْنَى على هَذَا أَنه كَانَ لفرعون أصنام يَعْبُدهَا شِيعَتُهُ وأتْبَاعُهُ فَلَمَّا دعاهم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى التَّوْحِيد حَضُّوا فرعونَ عَلَيْهِ وعَلى قومه وأَغْرَوْهُ بهم فَمَا قَوْلنَا اللهُ جلّ وَعز فقد حمله سِيبَوَيْهٍ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا: أَن يكون أصلُ الِاسْم إلَهاً ففاء الْكَلِمَة على هَذَا همزَة وعينها لَام وَالْألف ألف فِعَال الزَّائِدَة وَاللَّام هَاء والقولُ الآخر أَن يكون أصلُ الِاسْم إلَهاً ففاء الْكَلِمَة على هَذَا همزَة وعينها لَام وَالْألف ألف فِعَال الزَّائِدَة وَاللَّام هَاء والقولُ الآخر أَن يكون أصلُ الِاسْم لَاهاً ووزنه فَعَلٌ فَأَما إِذا قَدَّرْتَ أَن الأَصْل إِلَه فَيذْهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَنه حُذفت الفاءُ حَذْفاً لَا على التَّخْفِيف القياسي إِذْ تَقْدِير ذَلِك سَائِغ فِيهِ غير مُمْتَنع مِنْهُ والحملُ على الْقيَاس أولى من الْحمل على الْحَذف الَّذِي لَيْسَ بِقِيَاس قيل لَهُ أَن ذَلِك لَا يَخْلُو من أَن يكون على الْحَذف كَمَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ أَو على تَخْفيف الْقيَاس فِي أَنه إِذا تحرَّكت الْهمزَة وَسكن مَا قبلهَا حذفت وألقيت حركتُها على السَّاكِن فَلَو كَانَ طرحُ الْهمزَة على هَذَا الْحَد دون الْحَذف لما لزم أَن يكونَ مِنْهَا عِوَضٌ لِأَنَّهَا إِذا حُذِفَتْ على هَذَا الحدِّ فَهِيَ وَإِن كَانَت مُلْقَاةً من اللَّفْظ مُبَقَّاةٌ فِي النِّيَّة ومُعامَلَةٌ المُثْبتَةِ غير المحذوفة يدلك على ذَلِك تركُهم الياءَ مصححة فِي قَوْلهم جَيْأَل إِذا خَفَّفُوا فَقَالُوا جَيَل وَلَو كَانَت محذوفة فِي التَّقْدِير كَمَا أَنَّهَا محذوفة من اللَّفْظ للَزِمَ قلبُ الْيَاء ألفا فَلَمَّا كَانَت الياءُ فِي نِيَّة سكونٍ لم تُقَلَبْ كَمَا قُلِبَتْ فِي بابٍ وَنَحْوه وَيدل على ذَلِك تحريكُهُم الواوَ فِي ضَوٍ وَهِي طَرَفٌ إِذا خففت وَلَو لم تكن فِي نِيَّة سُكُون لقلبت وَلم تثبت آخرا وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا تبيينهم فِي نُويٍ إِذا خفف نُؤْيٌ وَلَوْلَا نِيَّة الْهمزَة لقلبت يَاء وأدغمت كَمَا فعل فِي مَرْمِيِّ وَنَحْوه فَكَمَا أَن الْهمزَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع لما كَانَ حذفهَا على

<<  <  ج: ص:  >  >>