التَّخْفِيف القياسي كَانَت منويةَ الْمَعْنى كَذَلِك لَو كَانَ حَذفُها فِي اسْم الله تَعَالَى على هَذَا الحَدِّ لما لَزِمَ أَن يكون من حَذْفِها عوضٌ لِأَنَّهَا فِي تَقْدِير الْإِثْبَات للدلالة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَفِي تَعوِيضِهِم من هَذِه الْهمزَة مَا عَوَّضُوا مَا يدل على أَن حذفهَا عِنْدهم لَيْسَ على حدِّ القِيَاسِ كَجَيَلٍ فِي جَيْأَلٍ وَنَحْو ذَلِك بل يدل العِوَضُ فِيهَا على أَنهم حَذَفُوهَا حَذْفاً على غير هَذَا الحَدِّ فَإِن قَالَ فَمَا العِوَضُ الَّذِي عُوِّضَ من هَذِه الْهمزَة لما حُذِفَتْ على الحدّ الَّذِي ذكرتَ وَمَا الدلالةُ على كَونه عوضا قيل أما العِوَضُ مِنْهَا فَهُوَ الْألف وَاللَّام فِي قَوْلهم الله وَأما الدلالةُ على أَنَّهَا عوض فاستجازتُهم لقطع الْهمزَة الموصولة الدَّاخِلَة على لَام التَّعْرِيف فِي القَسَم والنداء وَذَلِكَ قولُهم تَأَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ وَيَا أللهُ اغْفِرْ لي أَلا تَرضى أَنَّهَا لَو كانتْ غَيْرَ عِوَضٍ لم تَثْبُتْ كَمَا لم تَثْبُتْ فِي غيرِ هَذَا الِاسْم فَلَمَّا قُطِعَتْ هُنَا اسْتُجِيزَ ذَلِك فِيهَا وَلم يُسْتَجَزْ فِي غَيرهَا من الهَمَزَاتِ المَوْصُولَةِ عَلِمْنَا أَن ذَلِك لِمَعْنىً اخْتَصَّتْ بِهِ لَيْسَ فِي غَيرهَا وَلَا شيءَ أَوْلَى بذلك المَعْنَى من أَن يكون العِوَضَ من الحَرْفِ المحذوفِ الَّذِي هُوَ الْفَاء فَإِن قَالَ قَائِل مَا أنْكَرْتَ أَن لَا يكون ذَلِك الْمَعْنى العِوَضَ وَإِنَّمَا يكون الِاسْتِعْمَال فغُيِّرَ بِهَذَا كَمَا يُغَيِّرُ غيرُه مِمَّا يكثر فِي كَلَامهم عَن حَال نَظَائِره وَحَدِّهِ قيل لَا يَخْلُو من أَن يكونَ العوضَ كَمَا ذَكرْنَاهُ أَو يكونَ كثرةَ الاستعمالِ أَو يكون لِأَن الحرفَ ملازِمٌ للاسم لَا يُفَارِقهُ فَلَو كَانَ كثرةُ الاستعمالِ هُوَ الَّذِي أوجَبَ ذَلِك دونَ العِوَض لوَجَبَ أَن تُقْطَعَ الهمزةُ أَيْضا فِي غير هَذَا مِمَّا يكثر استعمالُه وَلَو كَانَ للُزُوم الْحَرْف لوجَبَ أَن تُقْطَعَ همزةُ الَّذِي للزومها ولكثرةِ اسْتِعْمَالهَا أَيْضا ولَزِمَ قطعُ هَذِه الْهمزَة فِيمَا كثر اسْتِعْمَاله هَذَا فَاسد لِأَنَّهُ قد يكثُر استعمالُ مَا فِيهِ الهمزةُ وَلَا تُقْطَعُ فَإِذا كَانَ كَذَلِك ثَبَتَ أَنه للعِوَضِ وَإِذا كَانَ للعِوَضِ لم يَجُزْ أَن يكون حذفُ الْهمزَة من الِاسْم على الحَدِّ القياسي لما قدمْنَاهُ فَلهَذَا حمله سِيبَوَيْهٍ على هَذَا الْوَجْه دون الْوَجْه الآخر قَالَ: كَانَ الِاسْم وَالله أعلم إلَهٌ فَلَمَّا أَدخل فِيهِ الألفُ واللامُ حذفوا الْهمزَة وَصَارَت الْألف وَاللَّام خَلَفاً مِنْهَا فَهَذَا أَيْضا مِمَّا يقوّي أَن يكون بِمَنْزِلَة مَا هُوَ من نفس الحرفِ فَإِن قَالَ قَائِل أَفَلَيْسَ قد حُذِفَتِ الهمزَةِ من النَّاس كَمَا حُذِفَتْ من هَذَا الِاسْم فَهَل تَقول إِنَّهَا عوض مِنْهَا كَمَا أَن الْألف وَاللَّام عِوَضٌ من الْهمزَة المحذوفة فِي اسْم الله عز وَجل قيل لَهُ: لَيْسَ الْألف واللامُ عِوَضاً فِي النَّاس كَمَا كَانَا عِوَضاً مِنْهَا فِي هَذَا الِاسْم وَهُوَ كَانَ عوضا لَفُعِلَ بِهِ مَا فُعِلَ فِي الْهمزَة فِي اسْم الله عز وَجل لَمَا جُعِلَتْ فِي الكلمةِ الَّتِي دخلت عَلَيْهَا عِوِضاً من الْهمزَة المحذوفة فَإِن قلت أفليس قد قَالَ سِيبَوَيْهٍ بعد الْكَلَام الَّذِي ذكرته لَهُ ومِثْلُ ذَلِك أُنَاسٌ فَإِذا أدخلت الألأف وَاللَّام قلتَ الناسُ قيل قد قَالَ هَذَا وَمعنى قَوْله ومثلُ ذَلِك أُنَاسٌ أَي مثلُه فِي حذف الْهمزَة مِنْهُ فِي حَال دُخُول الْألف وَاللَّام عَلَيْهِ لَا أَنه بدلُ المحذوفِ كَمَا كَانَ فِي اسْم الله تَعَالَى بَدَلاً ويُقَوِّي ذَلِك مَا أنْشدهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن أبي عُثْمَان:
(إِنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْنَ ... عَلَى الأُنَاسِ الآمِنِينَا)
فَلَو كَانَ عِوَضاً لم يكن ليجتمعَ مَعَ المُعَوَّضِ مِنْهُ فَإِذا حُذِفَتِ الهمزةُ مِمَّا لَا تكونُ الألفُ واللامُ عِوَضاً مِنْهُ كانَ حَذْفُها فِيمَا ثَبَتَ أَن الألفَ واللامَ عِوَضٌ مِنْهُ أَوْلَى وأَجْدَرُ فَبُيِّنَ من هَذَا أَن الْهمزَة الَّتِي هِيَ فاءٌ محذوفةٌ من هَذَا الِاسْم فَإِن قَالَ قَائِل مَا أنكرتَ أَن يكون قطعَ الْهمزَة فِي الِاسْم فِي هَذَا الْوَصْل لَا لشَيْء مِمَّا ذكرتَ من العِوَضِ وكثرةِ الاستعمالِ وَلَا للُزُوم الِاسْم وَلَكِن لشَيْء آخر غير ذَلِك كُلِّهِ وَهُوَ أَنَّهَا همزَة مَفْتُوحَة وَإِن كَانَت مَوْصُولَة والهمزات الموصولة فِي أَكثر الأَمر على ضَرْبَيْنِ مكسور ومضموم فَلَمَّا خَالف هَذَا مَا عَلَيْهِ الجمهورُ والكثرةَ اسْتُجِيرَ فِي الْوَصْل قطعُهَا لمشابهتها إِيَّاهَا فِي انفتاحها لَا لغير ذَلِك قيل لَهُ إِن كَونهَا مَفْتُوحَة لَا يُوجب فِي الْوَصْل قَطْعُهَا وَإِن شابهتها فِي الزِّيَادَة أَلا ترى أَن الْهمزَة فِي قَوْلهم إيم وإيمن همزَة وصل وَأَنَّهَا مَفْتُوحَة مثل المصاحبة للام التَّعْرِيف وَلم تقطع فِي مَوضِع من مَوَاضِع وَصلهَا كَمَا قُطِعَتْ هَذِه فَهَذَا يدل على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute