للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ الْكسَائي فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمنُوا يَغْفِرُوا} [الجاثية: ١٤] إِنَّمَا هُوَ لِيَغْفِرُوا فَحذف اللَّام وقياسُ قَوْله هَذَا عِنْدِي أَن تكون اللَّام محذوفةً من هَذَا الْقَبِيل نَحْو قَوْله عز وَجل: {قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إِبْرَاهِيم: ٣١] وَقَالُوا أَللَّهِ لأَفْعَلَنَّ وحُذِفَ الحرفُ فِيمَا كَانَ من نَحْو مَا كَانَ ليفعلَ وَمَعَ الْفَاء وَالْوَاو وأو وَحَتَّى فَإِذا حذف فِي هَذِه الْأَشْيَاء لم يمْتَنع حذفُه فِي هَذَا الْموضع أَيْضا لِأَن الدّلَالَة على حذفه قائمةٌ أَلا ترى أَن انْجرار الِاسْم يدل عَلَيْهِ كَمَا أَن انتصابَ الفعلِ فِي الْمَوَاضِع الَّتِي ذكرنَا يدل عَلَيْهِ فالحذفُ فِي هَذَا الْحَرْف الزَّائِد كالحذف فِي الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة للدلالة على حذفه كالدلالة على الْحَذف من الأَصْل نَحْو لم أُبَلْ لِأَن الجرَّ فِي الِاسْم يدل على الجارّ الْمَحْذُوف وَقد حُذِفَ الحرفُ الزَّائِد كَمَا حُذِفَ الأصلُ نَحْو إِنِّي ولعليِّ كحذفهم التَّاء من اسْتَطَاعَ وَكَذَلِكَ يَسُوغُ حذفُ هَذَا الزَّائِد الجارِّ وَقد حذفوا الجارَّ أَيْضا فِي قَوْلهم مَرَرْت بِرَجُل إِن صَالح وَإِن طالح فَلَيْسَ فِي شَيْء ذَكرُوهُ فِي الْفَصْل الأول مَا يمْتَنع لَهُ حذف الْحَرْف من قَوْلهم لاهِ أَبوك، وَأما مَا ذكرُوا فِي الْفَصْل الثَّانِي مِنْهَا وَذَلِكَ قَوْلهم ظِلْتُ ومِسْتُ وَنَحْو ذَلِك فَإِن قلت وَمَا الدليلُ على أنّ الْمَحْذُوف الأوّل وَمَا تنكر من أَن يكونَ الثَّانِي فالدليلُ على أَنه الأوّل قولُ من قَالَ فِي ظَلِلْتُ ظِلْتُ وَفِي مَسِسْتُ مِسْتُ فألقَى حركةَ العينِ المحذوفة على الْفَاء كَمَا أَلْقَاهَا عَلَيْهَا فِي خِفْتُ وهِبْتُ وظُلْتُ وَيدل أَيْضا سكونُ الْحَرْف قبل الضَّمِير فِي ظِلْتُ وظَلْتُ كَمَا سكن فِي ضَرَبْتُ وَلَو كَانَ المحذوفُ اللامَ دون الْعين لتحرّك مَا قبل الضَّمِير وَلم يسكن فقد دَلَّكَ هَذَا على أَن المحذوفَ الأوّل لَا المتكررُ وَقَالُوا عَلْمَاء بَنُو فُلَان يُرِيدُونَ عَلَى الماءِ بَنو فلَان ويَلْحَارِث فحذفوا الأول وَأما مَا ذَكرُوهُ فِي الْفَصْل الثَّالِث من أَن التَّخْفِيف وَالْقلب يلْحق الثَّانِي من المكرر دون الأوّل فقد يَلْحَقُ الأوّلَ كَمَا يَلْحَقُ الثَّانِي وَذَلِكَ قولُهم دِينَارٌ وقِيراطٌ ودِيوانٌ وَنَحْو ذَلِك أَلا تَرَى أَن الْقلب لَحِقَ الأوَّلَ كَمَا لحق الثَّانِي فِي تَقَضَّيْتُ وأَمْلَيْتُ وَنَحْو ذَلِك وَقد خُفِّفَتْ الْهمزَة الأُولى كَمَا خُفِّفَتْ الثانيةُ فِي نَحْو فقد جَاءَ أشراطُها وَنَحْو ذَلِك فَأَما مَا ذَكرُوهُ من قَوْلهم كأَنِّي فقد حذف غير الآخر من الْأَمْثَال إِذا اجْتمعت نَحْو قَوْلهم إِنَّا نَفْعل فالمحذوف يَنْبَغِي أَن يكون الأوسطَ دون الآخرَ أَلا ترى أَن النُّون الثَّانِيَة قد حذفت من أنَّ فِي نَحْو علم أَن سيكونُ مِنْكُم وَالنُّون من فعلنَا لم تحذف فِي مَوضِع فَلذَلِك جعلنَا المحذوفة الوُسْطَى وعملت المخففةُ فِي الْمُضمر على حَدِّ مَا عملتْ فِي المُظْهَر فِي نَحْو إنَّ زيدا مُنْطَلِقٌ ولَمنطلقٌ وَقد أجَازه سِيبَوَيْهٍ وَزعم أَنَّهَا قِرَاءَة وَقد يَجِيء على قِيَاس مَا أجَازه فِي الظَّاهِر هَذَا البيتُ الَّذِي يُنْشِدُهُ البغداديون:

(فَلَوْ أَنَّكِ فِي يومِ الرَّخَاءِ سَأَلْتِنِي ... فِرَاقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وأنتِ صَدِيقُ)

إِلَّا أَن هَذَا القياسَ إِن رُفِضَ كَانَ وَجْهاً لِأَن مَا يحذف مَعَ المظهرة أَو يُبدل إِذا وُصِلَ بالمضمر رُدَّ إِلَى الأَصْل أَلا تَرَى أَنهم يَقُولُونَ: من لَدُ الصلاةِ، فَإِذا وَصَلُوا بالمضمر قَالُوا من لَدُنِهٍ وَمن لَدُنَنيَّ وَقَالُوا واللهِ لأَفْعَلَنَّ فَلَمَّا وصل بالمضمر قَالُوا بِهِ لأَفْعَلَنَّ وَيذْهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أنَّ الْمَفْتُوحَة إِذا خُفِّفَتْ أُضْمِرَ مَعهَا القصةُ والحديثُ وَلم يَظْهَر فِي مَوضِع فَلَو كَانَ اتصالُ الضَّمِير بهَا مُخَفّفَة سائغاً لَكَانَ خليقاً أَن تتصلَ بالمفتوحة مُخَفّفَة وَقَالُوا ذَيَّا وَتَيَّا فِي تحقير ذواتا فَاجْتمعُوا على حذف الأول من الْأَمْثَال الثَّلَاثَة فَلَيْسَ فِي هَذَا الْفَصْل أَيْضا شَيْء يمْنَع جوازَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَمَا قَالُوهُ من الحذفِ فِي تَكَلَّمُ وتَذَكَّرُ فَلَمَّا كَانَ الحذفُ فِي الثَّانِي دون الأول لِأَنَّهُ يَعْتَلُّ بِالْإِدْغَامِ فِي نَحْو تَذَكَّرُ لِأَنَّهُ لَو حذف حرف المضارعة لوَجَبَ إدخالُ ألف الْوَصْل فِي ضَرْبٍ من الْمُضَارع نَحْو

<<  <  ج: ص:  >  >>