للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَذَكَّرُ ودخولُ ألف الْوَصْل لَا مساغَ لَهُ هُنَا كَمَا لَا يدْخل على أَسمَاء الفاعلين والمفعولين وَلِأَن حرفَ الجرّ أقوى من حرف المضارعة للدلالة عَلَيْهِ بالجرّ الظَّاهِر فِي اللَّفْظ فَلهَذَا حذف الثَّانِي فِي هَذَا النَّحْو دون حرف المضارعة لَا لِأَن الْحَذف غير سَائِغ فِي الأول فِيمَا يتَكَرَّر لِأَنَّك قد رأيتَ مساغَ الْحَذف فِي الأول فِي هَذِه المتكررة فَلَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ فِي أَن الْمَحْذُوف الآخَرُ دون الأوّل حجَّةٌ ويَثْبُتُ قُولُ سِيبَوَيْهٍ إِن المحذوفَ الأوَّلُ بِدلَالَة وَهِي أَن اللَّام منفتحةٌ وَلَو كَانَت اللامُ فِي الْكَلِمَة لامَ الْجَرّ لوَجَبَ أَن تنكسر لِأَن الِاسْم مظهر وَهَذِه اللَّام مَعَ المظهرة تكسر فِي الْأَمر الْأَكْثَر فَكَمَا لَا يجوز لتحرك اللَّام أَن يُقَال إِنَّهَا لامُ التَّعْرِيف لِأَن تِلْكَ سَاكِنة كَذَلِك لَا يجوز لتحرّكها بِالْفَتْح أَن يُقَال إِنَّهَا الجارةُ لِأَن تِلْكَ تكسر مَعَ المظهرة وَلَا تفتح فَإِن قلت فقد فُتِحَتْ فِي قَوْلهم يَا لَبَكْرٍ وَنَحْوه فَمَا تُنْكِرُ أَن تكون فِي هَذَا الْموضع أَيْضا فَالْجَوَاب أَن ذَلِك لَا يجوز هَاهُنَا من حَيْثُ جَازَ فِي قَوْلهم يَا لبَكْر وَإِنَّمَا جَازَ فِيهِ لِأَن الِاسْم فِي النداء وَاقع موقع الْمُضمر وَلذَلِك بُنِي المفردُ المعرفةُ فِيهِ فَكَمَا جَازَ بِنَاؤُه جَازَ انفتاحُ اللَّام مَعَه وَلَيْسَ الاسمُ هَاهُنَا وَاقعا موقع مُضْمر كالنداء فَيجوز فتح اللَّام مَعَ فَإِن قلتَ تكون اللامُ الجارة هَاهُنَا مَفْتُوحَة لمجاورتها الألفَ لِأَنَّهَا لَو كُسِرَتْ كَمَا تكسر مَعَ سَائِر المظهرة لَقُلِب الْحَرْف الَّذِي بعْدهَا قيل هَذَا القَوْل لَا يَسْتَقِيم لقائله أَن يقولَه لحكمه فِيمَا يتنازع فِيهِ بِمَا لَا نَظِير لَهُ وَلَا دلَالَة عَلَيْهِ وسائرُ مَا لحقته هَذِه اللامُ فِي المُظْهَرَة يُدْفَعُ بِهِ مَا قَالَه لمُخَالفَته لَهُ وَيمْتَنع من وَجه آخر وَهُوَ أَنه إِذا جعل هَذِه اللَّام هِيَ الجارَّة فَهِيَ غير لَازِمَة للكلمة وَإِذا لم تكن مُلَازمَة لم يعتدّ بهَا فَكَأَنَّهُ قد ابْتَدَأَ بساكن فَمن حَيْثُ يمْنَع الِابْتِدَاء بالساكن يمْتَنع مَا ذهب إِلَيْهِ فِي هَذَا وَمِمَّا يُؤَكد ذَلِك أَن أهل التَّخْفِيف لم يخففوا الهمزَة المبتدأةَ لِأَن التَّخْفِيف تقريبٌ من السَّاكِن فَإِذا رَفَضُوا ذَلِك لتقريبه من السَّاكِن مَعَ أَنه فِي اللَّفْظ وَوزن الشّعْر بِمَنْزِلَة المتحرِّك فَأن لَا يُبْتَدأ بالساكن المَحْضِ ويُرْفَض كلامُهم أَجْدَرُ أَلا ترى أَن من كَانَ من قَوْله تخفيفُ الأولى من الهمزتين إِذا التقتا وَافق الَّذين يخففون الثَّانِيَة فَترك قَوْله فِي نَحْو {آلِدُ وَأَنا عَجُوزٌ} [هود: ٧٢] لِمَا كانَ يلْزمه من الِابْتِدَاء بالحرف المُقَرَّب من السَّاكِن فَإِذا كَانُوا قد حذفوا الْألف من هَلُمَّ لِأَن اللازمَ الَّتِي هِيَ فاءٌ لما كَانَت متحركة بحرَكةٍ غَيرهَا صَار كَأَنَّهُ فِي تَقْدِير السَّاكِن فحُذِف كَمَا يحذف مَعَ السَّاكِن مَعَ أَن الْحَرْف بُنِيَ مَعَ الْفِعْل حَتَّى صَار كالكلمة الْوَاحِدَة فَأن تكون اللامُ فِي لاهِ الجارَّة أَبْعَدُ لِأَنَّهُ يلْزم أَن يبد بساكن لِأَن اتِّصَال الجارّ بِهِ لَيْسَ كاتصال حرف التَّثْنِيَة بذلك الْفِعْل أَلا ترى أَنه قد بُنِيَ مَعَه على الْفَتْح كَمَا بُنِيَ مَعَ النُّون فِي لأَفْعَلَنَّ على الْفَتْح فَإِذا قَدَّرُوا المتحرك فِي اللَّفْظ تقديرَ السَّاكِن فِيمَا هُوَ مُتَّصِل بِالْكَلِمَةِ لمَكَان الْبناء مَعهَا فالساكنُ الَّذِي لَيْسَ بمتحرّك مَعهَا فِي تَقْدِير الِانْفِصَال مِنْهُ أَجْدَرُ أَن يَبْعُدَ فِي الْجَوَاز فَأَما مَا أنْشدهُ بعض الْبَصرِيين من قَول الشَّاعِر:

(أَلَا لَا بَارَكَ اللهُ فِي سُهَيْلٍ ... إِذا مَا اللهُ بَاركَ فِي الرِّجالِ)

فعلى مَا يجوز فِي الشّعْر دون الْكَلَام وَيَنْبَغِي أَن يُوَجَّهُ هَذَا على أَنه أخرجه على قَول سِيبَوَيْهٍ أَن أصل الِاسْم إِلَه فَحذف الْألف الزَّائِدَة كَمَا يقصر الْمَمْدُود فِي الشّعْر وَلَا يحملهُ على الْوَجْه الآخر فَيلْزم فِيهِ أَنه حذف الْعين لِأَن ذَلِك غير مُسْتَقِيم وَلَا مَوْجُود إِلَّا فِي شَيْء قَلِيل فَهَذَا مِمَّا يبين لَك أَن الْأَوْجه من الْقَوْلَيْنِ هُوَ أَن يكون أصلَ الِاسْم إِلهٌ فَأَما الإمالة فِي الْألف من اسْم الله تَعَالَى فَجَائِز فِي قِيَاس الْعَرَبيَّة وَالدَّلِيل على جَوَازهَا فِيهِ أَن هَذِه الْألف لَا تَخْلُو من أَن تكون زَائِدَة لِفِعَالٍ كَالَّتِي فِي إِزَار وعِمَاد أَو تكونَ عين الْفِعْل فَإِن كَانَت زَائِدَة لِفِعَالٍ جَازَت فِيهَا الإمالة من وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَن الْهمزَة المحذوفة كَانَت مَكْسُورَة وكسرُها يُوجب الإمالةَ فِي الْألف كَمَا أَن الكسرةَ فِي عِمَادٍ توجب إمالةَ ألفِه فَإِن قلت كَيفَ تُمالُ الألفُ من أجلِ الكسرةِ وَهِي محذوفةٌ فَالْجَوَاب أَن الكسرة وَإِن كَانَت محذوفة مُوجِبَةٌ للإمالة كَمَا كَانَت توجيها قبل الْحَذف لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت

<<  <  ج: ص:  >  >>