(إِنَّ لَهَا جارَيْنِ لم يَغْدِرا بهَا ... رَبِيبَ النَّبِيِّ وابْنَ خَيْرِ الخَلَائِف)
يَعْنِي عُمر بن أبي سَلَمَة وَهُوَ ابْن أُمِّ سَلَمَة زوجُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والرَّابُ - هُوَ زوجُ الأُمِّ قَالَ: ويروى عَن مُجَاهِد أَنه كَرِهَ أَن يتَزَوَّج الرجلُ امْرَأَة رابَّةً وَقَالُوا طالتْ مَرَبَّتُهُمْ الناسَ كَمَا قَالُوا طَالَت مملكتُهم الناسَ والمَرَبُّ - الأرضُ الَّتِي لَا يزَال بهَا الثَّرَى وَيُقَال رَبَّبْتُ الوَلَد وَرَبَّبْتُهُ وَيُقَال رَبَّبْتُ الشيءَ بالعسل أَو بالخل ورَبَيَّتُهُ وَكَذَلِكَ الجِرْو يُرَبَّبُ فَيَضْرَى والرُّبَّى - الشاةُ الَّتِي قد وَلَدَتْ حَدِيثا كَأَنَّهَا تُرَبِّي المولودَ وَمِنْه رَبُّ النِّعْمَةِ يَرُبُّهَا رَبًّا ورَبَّبْتُ الولدَ والمُهْرَ يُقَال بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد وَمن ذَلِك قولُ الْأَعْشَى:
(تَرْتَبّ سُخَاماً تَكُفُّه بِخلَالِ ... )
إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّهَا تُرَبِّي شعرَها وَمِنْه رُبَّان السَّفِينَة لِأَنَّهُ يُنْشِئُ تدبيرها وَيقوم عَلَيْهِ والرَّبابُ السَّحابُ الَّذِي فِيهِ مَاء واحدتُه رَبَابَةٌ لِأَنَّهُ يُنْشِئُ الماءَ أَو يَنْشَأُ بِمَا فِيهِ من الماءِ والرُّبُّ سُلَافُ الخاثِر من كل شَيْء لأنَّ تَصْفِيَتَهُ تَنْشَأ حَالا بعد حَال وَوَصْفُ القَديمِ جَلَّ وعَزَّ بِأَنَّهُ رَبٌّ وَبِأَنَّهُ مالكٌ وَبِأَنَّهُ سَيِّدٌ يرجع إِلَى معنى قادِرٍ إِلَّا أَنه يُفِيدُ فوائدَ مُخْتَلفَة فِي المَقْدُورِ فالرَّبُّ الْقَادِر على مَاله أَن يُنْشِئَهُ من غير جِهَة الِاسْتِعَارَة وَذَلِكَ أَن الوكيلَ والمُسْتَعِير لَهما أَن يُنْشِئَا الشيءَ إِلَّا أَنه على طَريقَة الْعَارِية وَهِي مُخَالفَة لطريقة المِلْكِ (والصَّفُوحُ) المتجاوز عَن الذُّنُوب يَصْفَحُ عَنْهَا (والحَنَّانُ) ذُو الرَّحْمَة والتَّعَطُّفِ (والمَنَّانُ) الْكثير المَنِّ على عباده بمظاهرته النِّعَمَ (والفتَّاحُ) الْحَاكِم (والدَّيَّانُ) المُجَازَي والدِّينُ بِمَعْنى الْجَزَاء مَعْرُوف فِي اللُّغَة يُقَال كَمَا تَدِينُ تُدَان - أَي كَمَا تَجْزِي تُجْزَى وَقَالَ الشَّاعِر:
(واعْلَمْ وأَيْقِنْ أَنْ مُلْكَكَ زَائشلٌ ... واعْلَمْ بِأَنَّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ)
كَأَنَّهُ قَالَ كَمَا تَصْنَعُ يُصْنَعُ بِكَ وَقَالَ كَعْبُ بن جُعَيْل:
(إِذا مَا رَمَوْنَا رَمَيْنَاهُمْ ... ودِنَّاهُمُ مِثْلَ مَا يُقْرِضُونَا)
وَقَالَ عز وَجل: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيَرَ مَدِينِينَ} [الْوَاقِعَة: ٨٦] أَي غير مُجْزِيِّينَ وَقَالَ: {كَلَاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدِّينِ} [الإنفطار: ٩] أَي بالجزاء وَمِنْه: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات: ٦] أَي الجَزَاءَ وقدي قَالَ الدِّينُ بِمَعْنى الدَّأَبِ والعادةِ قَالَ الشَّاعِر:
(تَقُولُ إِذَا دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي ... أَهَذَا دِينُهُ أَبَداًودِيني}
أَي عادتُه وعادتي والدِّينُ - المِلَّة من قَوْلك دِينُ الإسلامِ خَيْرُ الأَديانِ والدِّينُ - الانْقِيَادُ والاستسلامُ من قَول الْعَرَب بَنُو فلانٍ لَا يَدِينُونَ للمُلُوكِ وَقيل فِي دِينِ المَلِكِ - فِي طَاعَة الْملك وتصريفه دانَ يَدِينُ دِيْناً وتَدَيَّنَ تَدَيُّناً ودِيَانَةً واسْتَدَانَ من الدَّيْنِ اسْتِدَانَةً ودَايَنَةُ مُدَايَنَةً قَالَ الشَّاعِر:
(دَايَنْتُ أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضَى ... فَمَطَلَتْ بَعْضاً وأَدَّتْ بَعْضَا)
أَي مَنَحَتُهَا وُدِّي لِتَجْزِيني عَلَيْهِ فَهَذَا يدل أَن أصلَ الدِّين الجَزَاءُ وَقيل أصلُ الدِّينِ الانقيادُ والاستسلامُ وَقيل أَصله العادةُ وَإِنَّمَا بَنُو فلانٍ لَا يَدِينُونَ للملوك أَي لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ جَزَائِهِمْ وَقَوله:
(أَهَذا دِينُهُ أَبَداً ودِينِي ... )
أَي عادتُه فِي جَزَائي وعادتي فِي جَزائه ويومُ الدِّينُ هَاهُنَا يومُ الْقِيَامَة سمي بذلك لِأَنَّهُ يَوْم الْجَزَاء (الرَّقِيبُ) الحافِظُ الَّذِي لَا يغيب عَنهُ شَيْء (المَتِينُ) الشديدُ القُوَّةِ على أَمْرِهِ (الوَكِيلُ) الَّذِي تَوَكَّلَ بالقيامِ بِجَمِيعِ