فِي الْمُنْفَصِل لم تَخَفِ الرجلَ فَلم يَرُدُّوا الألفَ إِذْ الْمُنْفَصِل لَا يلْزم والحمدُ لَا يُسْتَحَقُ إِلَّا على فِعْل إِنَّمَا يُسْتَحَقُ بعد أَن لم يكن يُسْتَحَقُ وَإِن العقلَ يَقْتَضِي أَن الْمُسْتَحق للحمد لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا من أجل إِحْسَان كَانَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الذَّمُ لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا الْمُسِيء على إساءته وَكَذَلِكَ الثوابُ والعقابُ فكُلُّ مُسْتَحِقِّ الثَّوَاب مُحْسِنٌ وكُلُّ مُسْتَحِقِّ العقابِ مُسِيءٌ وَالَّذِي لم يكن مِنْهُ إحسانٌ وَلَا إساءة على وَجه من الْوُجُوه لَا يجوز أَن يَسْتَحِقَّ حمداً وَلَا ذماً وَلَا ثَوابًا وَلَا عِقاباً وَلَيْسَ يجوز أَن يَسْتَحقَّ أحدٌ الحمدَ والذَّمَّ فِي حَال وَاحِدَة كَمَا لَا يكون وَلِيًّا عَدُوًّا فِي حَال وَاحِدَة وَلَا عَدْلاً فَاسِقًا فِي حَال وَاحِدَة وَلَا بَرًّا وَلَا فَاجِرًا فِي حَال وَاحِدَة وَأما حاشَ لله فَمَعْنَاه بَرَاءَةً لِلَّهِ ومَعاذاً لِلَّهِ قَالَ أَبُو عَليّ: حذفت مِنْهُ اللَّام كَمَا قَالُوا وَلَو تَرَ يَا أهلُ مَكَّة وَذَلِكَ لِكَثْرَة استعمالهم لَهُ وَأما سبحانَ اللهَ فَأرى سبحانَ مصدرَ فِعْلٍ لَا يسْتَعْمل كَأَنَّهُ قَالَ سَبَحَ سُبْحاناً كَمَا تَقول كَفَر كُفْراناً وَشَكَرَ شُكْراناً وَمَعْنَاهُ معنى التَّنْزِيه والبراءة وَلم يتَمَكَّن فِي مَوَاضِع المصادر لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي إِلَّا مصدرا مَنْصُوبًا مُضَافا وَغير مُضَاف وَإِذا لم يُضَفْ تُرِكَ صَرْفُه فَقيل سُبْحَانَ من زيد أَي براءةٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ فِي الْبَيْت:
(سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفاخِرِ ... )
وَإِنَّمَا مُنِعَ الصرفَ لِأَنَّهُ معرفةٌ فِي آخِره ألفٌ ونونٌ زائدتان مثل عُثْمان وَمَا جرى مجْرَاه فَأَما قولُهم سَبَّحَ يُسَبِّحُ فَهُوَ فَعَّلَ ورد على سُبْحَانَ بعد أَن ذُكِّرَ وعُرِّفَ وَمعنى سَبَّح زيد أَي قَالَ سُبْحَانَ الله كَمَا تَقول بَسْمَلَ إِذا قَالَ بِسم الله وَقد يجيءُ سُبْحَانَ فِي الشّعْر منوَّناً كَقَوْلِه أُميَّة:
(سُبْحَانَهُ ثمَّ سُبْحاناً يَعُودُ لَهُ ... وقَبْلَنَا سَبَّحَ الجُودِيُّ والجُمُدُ)
فِيهِ وَجْهَان يجوز أَن يكون نكرَة فَصَرفهُ وَيجوز أَن يكون صرفه [ ... ] وَحكى صَاحب الْعين: سَبَحَ فِي سَبَّحَ وَقَالَ سُبُحات وَجْهِ اللهِ كِبْرِيَاؤُه وجلالُه واحدتُه سُبْحَةٌ وَقَالَ جبريلُ إِن الله دُونَ العرشِ سبعين بَابا لَو دَنَوْنَا من أحدِها لأَحَرَقَّتْنَا سُبُحاتُ وَجْهِ اللهِ والسُّبْحَةُ - الخَرَزُ الَّذِي يُسَبِّحُ بعَدَدِها وَقيل السُّبْحَة الدعاءُ وصلاةُ التَّطَوُّع وعَمَّ بِهِ بعضُهم الصلاةَ وَفِي التَّنْزِيل: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ للَبَثَ} [الصافات: ١٤٣ - ١٤٤] أَي الْمُصَلِّين قبل ذَلِك وَأما مَعاذ اللهِ فَإِنَّهُ يسْتَعْمل مَنْصُوبًا كَمَا ذكر سِيبَوَيْهٍ مُضَافا والعياذُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَاهُ يسْتَعْمل مَنْصُوبًا وَمَرْفُوعًا ومجروراً وبالألف وَاللَّام فَيُقَال العِياذُ بِاللَّه واللَّجَأُ إِلَى العِيَاذِ بِاللَّه وَأما رَيْحَانَ اللهِ فَفِي معنى الاسْتِرْزَاقِ فَإِذا دَعَوْتَ بِهِ كَانَ مُضَافا وَقد أدخلهُ سِيبَوَيْهٍ فِي جملَة مَا لَا يتَمَكَّن من المصادر وَلَا يتَصَرَّف وَلَا يدْخلهُ الرّفْع والجر وَالْألف وَاللَّام وَقد ذكر فِي معنى قَوْله جلّ وَعز: {والحَبُّ ذُو العَصْفِ والرَّيْحَانِ} [الرَّحْمَن: ١٢] أَنه الرِّزْقُ وَهُوَ مخفوض بِالْألف وَاللَّام وَقَالَ النمر بن تولب:
(سَلَامُ الإِلهِ وَرَيْحَانُه ... ورَحْمَتُهُ وَسَمَاءٌ دَرَرْ)
فرفَعه وَلَعَلَّ سِيبَوَيْهٍ أَرَادَ إِذا ذُكِرَ رَيْحَانَه مَعَ سُبْحَانَهُ كَانَ غيرَ مُتَمَكن كسُبْحان وَأما عَمْرَك اللهَ فَهُوَ مصدر ونصبُه على تَقْدِير فعل وَقد يُقَدِّرُ ذَلِك الْفِعْل على غير وَجهه مِنْهُم من يقدر أَسأَلك بِعَمْرِكَ الله وبتَعْمِيرَكَ اللهَ أَي بوصفك اللهَ بِالْبَقَاءِ وَهُوَ مَأْخُوذ من العَمْرِ والعُمُرَ فِي معنى الْبَقَاء أَلا تَرَى أَن العربَ تَقول لعمر الله فَتَخْلِفُ ببقاءِ اللهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا رَضِيْتَ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْر ... لَعَمْرُ اللهَ أعْجَبَنِي رِضاها)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute