للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإنسان ليجد لذة في العمل حتى ولو كان العمل في طلاب اللذة ولكن شتان ما بين اللذتين فلذة اللعب غير لذة الفوز.

لا تعرف النفس إلى السرور سبيلاً إذا كانت طامحة إلى غرض وكان غرضها شيئاً آخر غير السرور قال استورت ميل السعيد من رام غير السعادة بأن سعي مثلاً إلى إسعاد من سواه أو وقف حياته على تحسين حال الإنسانية والتخفيف من ويلاتها وآلامها أو وضع نصب عينيه عملاً نبيلاً يفرغ فيه قواه ومجهوداته لا كوسيلة يتذرع بها إلى غرض آخر بل طلبة سامية وأمنية شريفة. لا تأتي ملذات الحياة إلا عرضاً ولا يقصد إليها قصداً وإنما تقابلنا عفواً في طريقنا حين يكون سعينا مقصوراً على غيرها ألا شد رحالك إليها. وبجميع قواك ومواهبك للحصول عليها ولا تدخرن شيئاً في وسعك إلا بذلته لاقتناصها ومتى بلغتها فستراها من أول وهلة إنها غير مشبعة ولا مقنعةن إنها تتضاءل أمامك كلما دققت فيها النظر وأمعنت في اختيارها. سل نفسك هل أنت سعيد تر السعادة قد ولت مدبرة وإذا أردت السعادة فلا تعمل لشهواتك وملذاتك بل أنشد غرضاً آخر غريباً عنهما وافرغ فيه قواك الجثمانية والعقلية وقف عليه ضميرك ووجدانك وأبذل فيه دمك وحياتك ومتى فعلت ذلك تر السعادة مقبلة عليك مرقرقة فوق رأسك من غير سابق انتظار ولكن أحذر من أن تتخيلها في ذهنك أو تسعى لإدراك كنهها وحقيقة أمرها أو تسائل نفسك عن نصيبك منها فإنها لا تلبث أن تفلت من يديك وتفر من وجهك.

وخلاصة القول أن متاع النفس في الحياة حريتها في إظهار قواها والانتفاع بمواهبها وأن اللذة ما هي إلا وسيلة لذلك حتى ولو عكسنا الأمر واتخذنا اللذة مما لنا أفلا تكون السعادة في أن نكون في حل من أمرنا وسعة من إرادتنا لا عارض يمنعنا عن الذهاب مع شهواتنا! وهل هناك أهنأ من حياة ينال الإنسان فيها أو في حظ من سعة المدرك وسمو الفكر، وأوسع مكان وأخصب بقعة لإنماء مواهبه؟

وقد قوبل هذا الرأي بكثير من الاعتراضات. يقول المعترضون إنا نسلم بأن الحرية تكسب المرء أباء وأنفة وتعلي من منزلته في عينه وترفع من أخلاقه وتهديه إلى واجبه وتسوقه إلى التضامن الاجتماعي. أما كونها تسعده فلا نقول به ولا نذهب إليه وحسبك من آلامها أنها تضطرك إلى العمل وتلتقي عليك مؤنة البحث عن أفضل الأعمال وتثقل كاهلك