للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أحداث الشهر]

الرزء العظيم

فقيد مصر المرحوم حسن جلال باشا

أفجعتنا الأقدار في أوائل هذا الشهر مارس سنة ١٩١٨ وأبت علينا إلا أن يختطف منا ريب المنون رجلاً عظيماً من رجالات القضاء، وشيخاً جليلاً من مشيخة القانون، فاهتدمت من حياتنا السامية المهذبة ركناً ركيناً كنا به أعزة رافعي الرؤوس، وكنا من سيرته النقية القوية الطاهرة نتلقى دروساً عالية تكاد تكون المثل الأعلى في العفة والتقى والنزاهة وقوة اليقين.

وكذلك أرادت الأقدار إلا أن نعيش لنرى رؤوساً كبيرة من تعتبط بعضها إثر بعض فلا نكاد نغتبط بظهور رجل عظيم وقدوة صالحة تحتذى حتى ينزو القضاء فيسترد ما أعطي ويدعنا عزلاً في هذه الحياة عارين من كل ما ينعشنا ويسمو بنا إلى مستوى الجماعات الفرحة المبتهجة المدلة برجالها النافعين.

ولو نحن ألقينا نظرة في تاريخنا الحديث لألفيناه مجموعة من انتظار رجل عظيم والإشفاق من سرعة فقديه، فنحن أمة محزونة لا يكاد يندمل جرح من جروحنا حتى ينفتح بجانبه جرح جديد.

مات حسن جلال باشا - رأس كبير في القضاء وفي الخلق فتوارت صورة جميلة من الصور التي يجب أن ترتسم الحياة على غرارها، وليس ثمة عجب من أن يكون الرجل القاضي بين الناس عدلاً إذا كانت الحياة التي يعيشها بريئة غير متهمة بإثم من الآثام التي يقضي فيها، إذ كان حسن جلال باشا رجلاً تقياً نقياً صالحاً لم تدنس صحيفته معابة من المعابات التي لا يخلو تاريخ العظماء من واحدة منها.

لقد نشأ الفقيد نشأة صالحة وغذي من تربة قوية وعاش دهراً في بلاد الغرب فلم تستطع مفاتنه أن تحدث أثراً في حياة الرجل لأنه كان يعرف قيمتها في نفسه، وإذ ارتفع إلى منصة القضاء علم إن راحة ضميره تعدل العلم بأسره فلم يرض أن يعيش هو في حرب بينه وبين ضميره لكي يجعل ضمائر المجرمين في هدوء بينهم وبين نفوسهم، فعاش حتى أخريات أيامه رجلاً يأخذ من نفسه حتى يري الناس كيف يجب أن يعيشوا ولا يدع حياته