للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[محاورة]

بين فقيه متدين وفيلسوف ملحد

للفيلسوف الألماني الأكبر آرثر شوبنهر

(تابع ما نشر في العدد ٧ و ٨ سنة سابعة)

الفيلسوف - وكذلك ترى القساوسة ينزلون منزلة بين الخداع والوعظ لأنهم لا يجرأون على تعليم الناس الحقيقة حتى لو كانوا يعرفونها - وإنهم لا يعرفونها وعلى كل حال يمكن أن يكون هنالك فلسفة حق ولكن لا يمكن أن يكون دين حق - أعني ديناً حقاً بمعنى الكلمة الحقيقي وليس بالمعنى المجازي الرمزي الذي وصفته آنفاً.

ولا بدع في أشرف الحقائق وأهمها وأقدسها وأسماها لا يمكن إظهارها للعامة إلا ممزوجة بالأكاذيب بل لا بدع في أن هذه الحقائق إنما تستفيد سلطانها وقوتها من هذه الأكاذيب إذ كانت الأكاذيب أبلغ أثراً وأروع وقعاً في نفوس العامة. أقول لا بدع في ذلك لأنها سنة الطبيعة التي ما برحت تبرز الخير بالشر مقروناً والشرف بالخسة والكرم باللؤوم والبر والفجور والوفاء بالغدر.

وهذه الحقيقة هي عنوان العالم الأخلاقي. على أنه لا يليق بنا أن نيأس من مجيء يوم يبلغ فيه الناس من العقل والعلم مبلغاً يمكنهم من إنتاج فلسفة حق ثم قبولها واعتقادها. والواقع إن الحقيقة المجردة هي من البساطة وقرب الفهم بحيث يمكن إيصالها لي أذهان العامة بلا أدنى مزاج من الأساطير والخرافة (طائفة أكاذيب) أعني بدون جعلها ديناً.

الفقيه - إنك لا تستطيع أن تتصور مبلغ غباوة العامة وضآلة أفهامهم.

الفيلسوف - إني أقول هذا الكلام على سبيل الأمل لا غير. على أني لا أستطيع إطراح هذا الأمل - أقول إذا عرضت الحقيقة على الناس في صورة أبسط وأقرب إلى الفهم لم تلبث أن تنزل الدين عن أريكة سلطانه التي ما زال يتبوؤها منذ أقدام الأزمان وإذ ذاك يكون الدين قد ادى رسالته وجرى شأوه. فلا بأس عليه أن يترك النوع الإنساني وشأنه ملقياً حبله على غاربه ولا جرم فلقد تولاه في طفولته حتى بلغ سن التكليف والرشد - وعلى الدين إذ ذاك أن ينسحب هو ذاته ويتوارى ويستتر في أمن وسلام وطمأنينة وله ألف حمد وشكر. وعلى كل حال فما دام الدين موجوداً فإن له وجهين - وجهاً من الحق وآخر