للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رسائل الفيلسوف سنيكا]

إلى صديقه لوسليوس

الرسالة السابعة

(في أنه ينبغي الابتعاد عن أخلاط الناس)

تقول لي ما الذي يجب علي تحاشيه واتقاؤه أقول لك تحاشى غوغاء الناس واتق أخلاطهم لأن الاختلاط بهم ليس وراءه إلا التأثير على أخلاقك، وإني أعترف لك بضعفي فإني ما اقتحمت مجالس هؤلاء إلا وخرجت بخلق غير الذي دخلت به ولا احتطت لنفسي احتياطاً إلا وأفسدت علي حيطتي مخالطتهم ولا طردت من نفسي رذيلة إلا وعادت إليّ من عشرتهم السوآى لأن حالنا كحال بعض الناقهين من أمراض طويلة وعلل مزمنة الذين قد يتعبهم الخروج وينتكسون إذا هم تعرضوا للهواء فنحن كذلك لأن نفوسنا قد تخلصت من عللها بعد طول عناء لا جرم يتبعها مباشرة أحد أسبابها أعني مخالطة الجمهور فيعاودها منه الداء الذي قد يكون شيء من جراثيمه كامناً فيقوى فينا ويزداد وما يزيده إلا الاختلاط بجمهور الناس الذين لا تزايلهم عادة تلك الأدواء النفسانية، لا شيء أضر على الأخلاق الطيبة من الفراغ والشغف بالألعاب لأنه قد يعقب التلذذ برؤيتها والسرور بمشاهدتها في الغالب التصاق كثير من الرذائل بنفوسنا دون أن نشعر بها أو أن نأبه لها فافهم ما أقوله جيداً واعلم أني ما شاهدت هذه الألعاب مرة إلا وعلق بنفسي شيء من مثل رذيلة البخل أو الطمع أو الميل إلى الشهوات فضلاً عما تجلب إلى النفس من قساوة القلب وسلب الفؤاد الرحمة والشفقة الإنسانية وما سبب ذلك إلا اختلاطي بغوغاء الناس فيها، لقد ساقني القدر إلى مشاهدة ألعاب الجنوب فذهبت إليها على أمل أن أرى ألعاباً سارة مسلية للنفس خالية من إراقة الدماء فخاب ظني وتبين لي أن ألعاب المصارعة كانت عندنا أمس أقرب إلى الرحمة والشفقة منها اليوم لأن أبناء هذا الجيل لا يرغبون إلا في إزهاق أرواح المتصارعين فلذلك ترى المصارع لا يستر جسمه ساترٌ ولا يقي بدنه الخطر واق فكل ضربة بين المتصارعين تحدث في أجسامهم جراحاً وتسيل أبدانهم دماءاً فما هذا أيفضلون هذه المناظر الدموية على تلك الألعاب اللطيفة العادية، ولم يرغبون فيها ويحبونها؟ وما هي إذا فائدة الخوذ والدروع والتروس وتعلم السلاح إذا كانت لأتقي الناس القتل؟ ولكنهم لا