للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[طرفة أدبية]

قال أبو نواس حججت مع الفضل بن الربيع حتى إذا كنا بأرض بني فزارة في أوان الربيع نزلنا منزلاً بإزاء باديتهم ذا روض أريض ونبت غريض وتُرب كترب الكافور حتى اكتست الأرض بجميم نبتها الزاهر وأتزرت بمحض عشبها الناضر والتحفت بأنواع زخرفها الباهر بما يقصُر عنه النمارق المصفوفة ولا يداني زهرتها الزرابي المبثوثة فراقت بنضرتها الأبصار وارتاحت لزبرجها القلوب واشتاقت إلى نسيمها الصدور وابتهجت ببهائها النفوس فما لبثنا أن أقبلت السماء فأشفقت بربابها وتدانى من الأرض ركام حتى إذا كان كما قال عبيد بن الأبرص:

دان سف فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح

همت السماء برذاذ ثم بطش ثم برش ثم بوابل ثم هتنت حتى إذا تركت الربى كالوهاد رياً تقشعت فأقلعت وقد عادت الغدران مترعة تدفق والقيعان ناضرة تألق تحدق بحدايق مونقة ورياض رائقة وغياض من عرفها فايحة تتحاك بأنواع النور الغض الذي إذا هممت بتشبيهه بشيء حسن اضطرك حسنه إلى رده إليه. فإذا تقت إلى تضوع طيب لم تجد معولاً في الذكاء إلا عليه. فسرجت طرفي رامقاً في أحسن منظر واستنشقت من رباها أطيب من المسك الأذفر ثم قلت لزميلي ويحك امض بنا إلى هذه الخيمات فلعلنا نلقى بعض من نؤثر عنه خبراً نرجع به إلى بغداد فلما انتهينا إلى أولها إذا نحن بخباء على بابه جارية مبرقعة ترنو بطرف مريض لجفون وسنان النظر قد شي فتوراً وملئ سحراً قد مدت يداً كأنها لسان طائر بأطراف كالمداري وخضاب كأنه عنم ثم جاءت الريح فرفعت عن برقعها فإذا بيضة نعام تحت رئال فقلت لصاحبي أما والله أنها ترنو عن مقلة لا رقية لسليمها ولا براءة لسقيمها فاستنطقها قال كيف السبيل إلى ذلك قلت اسسقها ماء فدنا منها فاستسقاها فقالت:

نعم ونعيم عين وإن نزلتما فالرحب والسعة ثم قامت تتهادى في مشيها كأنها خوط بان أو قضيب خيزران تتثنى فتجر خلفها كالغرارتين فراعني والله ما رأيت منها فأتت بالماء فأخذته فشربت منه وصبت باقيه ثم قلت وصاحبي أيضاً عطشان فأخذت الإناء ودخلت الخباء ثم قلت لصاحبي متعرضاً لكشف وجهها من الذي يقول:

إذا بارك الله في ملبس ... فلا بارك الله في البرقع

يريك عيون الدمى غرة ... ويكشف عن منظر أشنع