للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[طرف أدبية]

المشاهد

١

لامرتين على جبل الكرمل

ساح لامرتين في الشرق عام ١٨٣٢ والتقى في سياحته بشاعر عربي على جبل الكرمل، هنالك حيث هبط الوحي على أنبياء أرض الرسل والأنبياء، وتنزل الإلهام على شعراء صومعة النساك وروضة الشعراء.

قال لان في رحلته فجلس - أي الشاعر العربي - إلى جانبنا على الحوض فتحادثنا ملياً. ولكن الشمس مالت إلى الأفول وكان لا بد لنا من الافتراق. فقلت له: إننا هنا شاعران قد أدنت الصدفة ما بيننا على بعد الدار، لنلتقي على هذه البقعة الساحرة، فوق هذه التربة الطاهرة، في ساعة هي أجمل الساعات. وقد أرسل الله إلينا ملكاً من ملائك الجمال في محضر منا، فهل لك في أبيات ينظمها كل منا بلسانه. تخليداً لهذا الاجتماع. وما قد أحدثته في نفوسنا هذه المناظر الشيقة والمشاهد البهجة

قال فابتسم وأخرج من نطاقه دواته وقلمه القصب. وهي أبداً في نطاق الكاتب العربي كالسيف في نطاق الجندي. ثم تراجع كل منا خطوات ليخلو بنفسه ويتفرغ لشأنه. فانتهى من نظم أبياته قبل أن انتهيت ببرهة وها أنا ذا أنقل أبياتي وأبياته

أما ذلك الملك الذي أشار إليه لامرتين فهو فتاة كاعب وصفها الشاعر نثراً فأبدع أيما إبداع. وأني بقلمه في ذلك الوصف بما هو جدير بريشة المصور وكان قد نزل في بيت أهلها بحيفا يوماً ثم صعد إلى دير جبل الكرمل. فأتته وأمها وشقيقها يزورونه. فجلسوا جميعاً على حوض ماء. وقد كانت قصيدة الشاعرين في وصف تلك الفتاة على ذلك الحوض، وهذه ترجمة قصيدة لامرتين:

سقاك الحيا يا حوض أعذب ما سقى ... ففيك قرأت الحسن سطراً منمقا

حباك الفضاء اللازوردي لونه ... فجلاك كالمرآة تلمع أزرقا

أراك إذا فيأت ليلى عشية ... سكنت كمن يصغي إليها محدقا

وترسم في أعماق قلبك وجهها ... كما لاح طيف النجم في اليم مشرقا