للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[روح الإسلام]

مقدمة هذا الكتاب

إن استمرار الرقي الديني بين البشر لموضوع عظيم الأهمية لدى المولعين بدراسة الحياة البشرية وإن تيقظ الذهن الآدمي إلى إدراك أن هناك شخصية أي إرادة عليا تشرف على الكون، وإن ما عاناه الأفراد والأمم من المجهودات والتطورات حتى وصلوا إلى فكرة أن هناك روحاً عامة تتخلل جميع أجزاء الكون وتدبره وتنظمه - لتفسح المجال لمباحث من أهم وأخطر ما يعنى به الإنسان.

إن تطور العقيدةالدينية من عبادة الأشياء المادية إلى عبادة الله قد صادف من العقبات ما أخره عن حينه المناسب. فلقد انحرف جماعات وأفراد من الناس عن منهج الرقي والتقدم وأطاعوا الأغراض والمطامع وانقادوا لأهواء نفوسهم ومآربها. فارتدوا إلى عبادة شهواتهم ممثلة في معبودات طفولتهم. ولكن صوت الله الخفي لا يزال يرسل دعوة الحق وإن لم تسمعها الآذان - فإذا جاء الأجل قام أولياؤه بإعلان واجبات الإنسان نحو نفسه ونحو الخالق. أولئك رسل الله الصادقون. قد ظهروا بين شعوبهم فلم يزد أمرهم على أن كانوا أبناء عصورهم ونتائج أوقاتهم. فكانوا لذلك يمثلون أماني الروح البشرية وطمحاتها نحو الحقيقة والنزاهة والنقاء والعدل. فكان كل واحد من أولئك الرسل كأنه مجموعة الاحتياجات الروحانية الكامنة في صدر عصره. لذلك جاء كل منهم ليشرف أمة وضيعة. ويرفع من قدرها ويطهرها ويصلحها. فمنهم ن جاء مدلياً إلى الناس بتعاليم محصورة، فهذا لا يتعدى تأثيره منطقة محدودة. ومنهم من جاء برسالة ليملأ بها السماء والأرض وينشرها في أرجاء العالم أجمع - رسالة ليست بمقصورة على شعب واحد أو أمة واحدة بل موجهة إلى الإنسانية بأسرها - كذلك كان محمد. فلم تكن رسالته مقصورة على العرب ولم يبعث لعصر واحد أو إقليم واحد. ولكن للناس كافة إلى آخر الأبد، إن ظهور هذا المعلم الكبير الذي كانت حياته صحيفة نقية بيضاء لم يكن مجرد صدفة واتفاق أو حادث منفصل غير متصل بسلسلة تاريخ العالم فإن عين تلك الأسباب وتلك الآفات وتلك الحاجة الشديدة إلى إيجاد الثقة والاعتقاد في القوة الخفية المنبثة في ذرات الوجود المسيطرة على الكون - تلك الأسباب والدواعي التي أدت إلى ظهور نبي كانت حياته مأساة على شواطئ الجليل في