للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية الطبيعية]

أو أميل القرن الثامن عشر

تأليف جان جاك روسو

وتعريب الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني (تابع)

أخته فإذا ضمها مجلس تجاذبا أطراف الكلام في أدب وظرف كأنهما غريبان لم ينتظم عقد اجتماعهما إلا الساعة. وإذا انتكث حبل الألفة بين أفراد الأسرة الواحدة ويبس الثرى بينهم وجفت موارد الصفاء ونضب معين الإخاء فليس بمستغرب أن ينصرف كل واحد عما ليس فيه لذاذة فيتدلى إلى ما هو أحط وأدنى ليسد ذلك النقص الذي يجده ويملأ ذلك الفراغ الذي يحسه. وهل في الناس من بلغت به البلادة والغباوة بحيث لا يفطن لصدق قولنا وصحة نظريتنا هذه؟

أما ذلك الأب الذي يجتزئ بأن يطعم بنيه ويكسوهم فلم ينهض إلا بثلث ما عليه لأن عليه أن يخرج للنوع رجالاً وللمجتمع رجالاً مدنيين (ذوي أميال مدنية) ولامته عمالاً حضريين. فأيما رجل لم يؤد هذا الدين وكان لا عسر عليه في الوفاء به فقد أرتكب جرماً لا مخرج له من عهدته ولا متبرأ له من تبعته وهو إذا أدى النصف فالذنب أشد والجرم أكبر لأن من لا يأنس في نفسه القدرة على الاستقلال بواجبات الأب فليس له أن يكون أباً وليس يبرئه من الملام على تفريطه في العناية ببنيه وتأديبهم رقة الحال أو كثرة المشاغل وأنت أيها القارئ أعرني جانب الثقة واعلم أن صاحب الضمير إذا ظهر بواجباته وتهاون بها فلا بد أن يأتي يوم يذوق فيه وبال تفريطه ويحتقب من تقصيره تبعة الندم ولات ساعة مندم.

قالوا وحسب الرجل منا أن يدفع ولده إلى مؤدب يقومه ما استطاع ويصلحه ما قدر وليس في ذلك كلفة أو عناء لأن أطبع الطين ما كان رطباً، وأعدل العود ما كان لدناً، وليس كل والد بقادر على تأديب ولده بل ربما كان غيره من الناس أقدر على تدارك الخلق الذميمة كلما نجمت وقذعها إذا هجمت قبل أن يظهر تضعيفها ويقوي ضعيفها. وهو قول ظاهره فيه الخير وباطنه من قبله الشر وليت شعري أيروم طالب ذلك شيئاً مما وأمراً سهلاً وكيف لنا بمن ينهض بذلك؟ وهل يستقل بمثل هذا العبء أجير!

ورب مستفسر يقول وهل لا سبيل إلى العثور برجل يغني غناء الوالد ويجزيء مجزأته