للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أساليب الكتابة]

إلى محمد حسين هيكل

للفاضل إبراهيم عبد القادر المازني

نعيت على كتاب البيان اختلاف أساليبهم وفخامة تراكيبهم وعدولهم كما زعمت عن مذاهبه السهولة إلى جفوة الأعراب وخشونة البادية وقلت أن اللفظ السهل يخف محمله على السمع ويسهل جريه على اللسان ووروده على الطبع وأنه ما ملكت القلوب ولا استرقت الإفهام واختلبت الألباب بمثل اللفظ الواضح المشرق الذي يجلي عن نفسه ويشف ظاهره عن باطنه ويمهد له وطاء الطبع قبل أن تمتلئ منه العين وهو كلام ليس فيه مساغ للطعن أو مجاز للشبهة وقد كنت ألومهم معك وأعذرك منهم لو كانوا أثاروا كما زعمت مدفون الألفاظ واستخرجوا مهجور الكلام ولم تذهب أنت إلى ما هو أبعد من ذلك حيث جعلت النزول إلى درجة البسطاء والانحطاط إلى مرتبة العوام فرضاً على الكاتب واجب الأداء وقد نسيت صانك الله أن لكل مقام مقالاً ولكل طبقة كتاباً ولكل صحيفة قراء فإن كان ظني صادقاً وكان قد غاب ذلك عنك فأعلم وأنت المجرب العارف والعوان لا تُعلّم الخمرة أن ما تدعوننا إليه لا يقدمنا خطوة وإن كان يؤخرنا عشراً لأن في الناس العالم والجاهل والكاتب لا يستطيع أن يولج المعنى أفهامهم على السواء مهما تبذل في أساليبه وتسفل في تراكيبه والرجل لا يكتب ليقرأ كل الناس ولقد رأيت لك كلمة في البيان في الجمال والحب وأثرهما في الحياة فهل حسبت أن كل قراء البيان قد قرأوها أو أن كل الذين طالعوها فهموها على قرب منالها وسهولة أسلوبها وإذ كنت خبيراً بأسرار الجمال وكنت عارفاً بموارد الكلام ومصادره خبيراً بمحاسنه ومساوئه فهلا ذكرت أن اللفظ المهذب والديباجة الأنيقة موقعاً في القلب ومخالطة للنفس وهل كان عمر بن أبي ربيعة يبلغ من معشوقاته مثل ما بلغ لو كان قال لهن أحبكن وسكت وبماذا فتن الناس بشار وهو أعمى مشوه الوجه؟ أليس بحلاوة لفظه ورشاقة معناه وهل ترى للجاحظ إلا لفظاً منضداً وسياقاً مطرداً وحبكاً جيداً وكلاماً منسجماً وهو مع ذلك من أكابر الكتاب ومشاهير المترسلين فإن قلت ذاك زمان وهذا زمان قلنا لك أن البلاغة في كل زمان نصفها لفظ لأن اللفظ جسم وروحه المعنى فإذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصاً للكلام وهجنة عليه لا تجد معنى يختل إلا من جهة اللفظ واللفظ