للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[في عالم الحرب]

كلمة تمهيدية

الآن تسخر الطبيعة من الإنسانية المهذبة وتهزأ، والآن تتقهقر مدينة العقل أمام وحشية الغريزة، هنا يتوارى قانون التضامن الإنساني إزاء قانون حفظ الذات، واليوم تختفي الصفحة البيضاء من تاريخ العقل الإنساني وحسناته، حيال الصفحة السوداء من ويلات مخترعاته ومبتكراته، واليوم تتجلى سيئات الكيمياء والميكانيكا وجرائم البخار والكهرباء.

كم من عقول كبيرة انصرفت عن خدمة الإنسانية العامة إلى خدمة السياسة وأفانين الحرب من يوم أن صنع شوارتز أول بارودة في التاريخ.

لقد كانت هذه البارودة الأولى هي أول أبواق السياسيين والحربيين، هي المزية الفذة التي يتسامون بها في الجمعية البشرية على الفلاسفة والكتاب والمفكرين، هي التت جعلت صوت المفكرون صوت السياسي، إذ كان الأول يستمد سلطانه من صرير قلمه، وكان الثاني يستمد صوته من صوت المدفع!.

لقد كانت هذه الحرب الرهيبة النتيجة المتوقعة من قانون التسليح، ذلك القانون الذي امتص أكبر قسط من ثروة الغرب، وعطل أكبر جزء من أذهانه، هو الذي جعل الأمم الغربية تبدد أذهان الملايين من أفرادها، لتربي فيهم على نفقتها حيوانية حفظ الذات، وتنمى فيهم الروح الحربية التي تريدها!.

جدت الرب فاستطار بلاؤها إلى كل بقاع العالم وأقطاره، واستحصد شرها في كل مدائنه وبلدانه، إذ كانت الرابطة الوحيدة التي تربط ممالك العالم وأممه هي التي التجارة. والنازلة التجارية التي تنزل بلندن أو برلين لا تلبث أن ترى آثارها في القاهرة وكلكتا.

وبعد فليس من وراء هذه النكبات الكبرى التي لحقت بالعالم الإنساني من هذه الحرب الخطيرة إلا كلمة واحدة لا تزال تضطرب في جوف المستقبل - هي أما أن يقضي على قانون التسليح وبذلك تتخلص الإنسانية آخر الدهر من كوارث الحرب وأما أن يحيا ثانية فيعود أشد مما كان همة ونشاطاًَ وهكذا كلما خطت الإنسانية بفضل فلاسفتها ومفكريها في طريق الكمال الاجتماعي خطوة واحدة عاد السياسيون والحربيون فتقهقروا بها خطوات.

مخاوف الكتَّاب قبل الحرب