للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[صور هزلية]

من أخلاق الناس

عمتي

جئت أصف لكم الآن غريبة من غرائب الدنيا لعلها تعد الثامنة بعد العجائب السبع، ولكن تمتاز عنها جميعاً بأنها عجيبة حية متنقلة، تأكل وتشرب، وأما الأهرام وأخواتها فعجائب صامتة ميتة جامدة، لا تأكل وإنما تحطم أسنان الزمن عندما يريد أن يعضها، ولا تشرب اللهم إلا من أفواه السماء، ولكنه لا يدخل في فمها، وإنما يدهن ظاهر جسمها دهناً، ولعل الملك المتولي شؤون الرعد في السماء، والقربي الخازن للماء المقدس الذي تغتسل منه الملائكة، عندما يصدر إليه الأمر بترك حبال القرب ليهبط ماؤها على أهل الأرض، يكتب على القرب الواقعة على الأهرام وأمثالها يستعمل من الظاهر!.

وأنا أخشى الآن أن يقع هذا العدد في يد كاتب من كتبة الفنادق فيدلي بأمر هذه العجيبة إلى النزلاء والسائحين والمنحدرين من العالم الجديد للفرجة فلا نلبث أن نرى بيتنا متحفاً من المتاحف، وأخشى أيضاً أن تصدق الحكومة فتكبس بيتنا بحثاً عن هذه الغريبة الطريفة، لكي تضمها إلى آثار مصر المعروفة.

إن عمتي، أو العجيبة الثامنة، تعيش الآن، على التقدير الجغرافي في المنطقة المعتدلة الشمالية، ولكنك لو وضعت مقياس فارنهايت عند قلبها، تجمد الزئبق في الحال لأن لها فؤاداً جليدياً مقتطعاً من ثلوج جرينلاند أو الأرض الخضراء فظاهرها يشاركنا في حرارة المنطقة المعتدلة ولكن باطنها مع الأسكيمو في برودة القطب، ولهذا أعد نفسي أكبر من الكبتن سكوت، وأعظم من الكولونل بيري، لأنني استطعت أن أصل إلى فؤادها، وأغرب ما في سياحتي القطبية أنني استطعت أن أتحمل العيش في جو بارد مثل هذا، لأنها تأبى دائماً إلا أن أعيش في قلبها!!

وأشد ما تظهر برودة فؤادها في معاملتها للأطفال، ولا أظن أن أجن أطفال الدنيا كلها يستطع أن يبقى على جنونه ساعة واحدة إذا جئت به إليها، وهي تكلم الرضيع الذي لم يحل الحول على تاريخ هبوطه إلى العالم كما تكلم رجلاً في الأربعين تهديداً ووعيداً وإنذاراً، وكثيراً ما سمعتها تخاطب طفلة لا تتجاوز سنها الأشهر في وجوب النظافة بكلمات