للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الصور]

تأليف واشنطون إيرفنج

وهو الكتاب المقرر على طلبة الشهادة الثانوية في هذا العام

السياحة

لا جرم أن الوافد على أوروبا من الأمريكان مصيب في سياحته الطويلة أفضل ممهد لوفدته. وأحسن مهيأ لقدمته. وذلك أن فترة انقطاعه عن المناظر والأشغال الدنيوية خليقة أن تترك صحيفة ذهنه على أتم استعداد للتأثر بما سوف تتلقاه من الصور والعاني الجديدة. فإن بطائح المياه المنفسجة الفاصلة بين شطري الكرة الأرضية هي كصحيفة غفل بيضاء في كتاب الحياة فليس قمة انتقال تدريجي كالذي يكون في أوروبا سببا لاندماج مملكة في أخرى من حيث أهليهما ومعالمهما. فمتى اختفى عن بصرك البر الذي تفارق لا ترى إلا فراغا حتى ترسي على الساحل المقابل ثم تزج دفعة واحدة في غمرة ضوضاء عالم جديد وتغمس في حومة طرائفه وغرائبه.

والسياحة البرية تتصل فيها المناظر وتطرد فيها سلسلة نظام الأشخاص والحوادث المؤلفة من حلقاتها قصة الحياة والتي هي جديرة أن تضعف ما ينشأ في النفس من أثر الغيبة والفرقة ولا مشاحة في أننا لا نزال أثناء السياحة البرية نجرسلسلة تتزايد حلقاتها بعد كل مرحلة نقطعها من سفرنا ولكن هذه السلسة متصلة غير منقطعة نستطيع أن نتتبع ما خلفناه منها وراءنا حلقة حلقة ولا نزال نشعر أن آخر هذه الحلقات يربطنا بالوطن أما السياحة البحرية النائية فهذه تصرم الأسباب وتجذم الروابط للتو واللحظة وتشعرنا بأننا قد نبذنا من مرسى الحياة المستقرة وقذفنا من مرفأ العيشة المطمأنة على غارب غباب عالم ظنين متهم تحفه الشكوك والريب. فهي تحول بيننا وبين الأوطان بهوة حقيقية غير وهمية عرضة للعواطف والظنون والمخاوف يظل معها البعاد أمراً محسا ملموسا والأوبة غير مضمونة.

تلك كانت حالتي شخصياً. فلما غاب عن بصري أخر معالم بلادي مضمحل الزرقة أقصى كأنه السحابة المنجابة خيل إلي كأنما قد أقفلت جزء من كتاب الدنيا وشؤونها وأنفسح لي مجال التأمل والاعتبار قبل افتتاح جزء آخر. هذه الديار المتقلصة من ناظري - تلك التي تضم في حضنيها وتجمع بين دفتيها كل كل ما هو محبب إلي في الدنيا - ماذا يحتمل أن