للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مساوئ العقاب]

في مصر

(إن السجن لم ينشأ لعذاب المجرمين ولكن لإصلاح حالهم)

كليمانس الحادي عشر

تعرف العلم الحديث أسباب الإجرام وبحث العوامل التي تدعوإليه، وهي على الإجمال عاملان. فطري يرجع إلى مزاج المجرم وأعصابه وخلقه وتأثير الوراثة فيه وتكوين عقليته المختلة أوالصحيحة، وعامل آخر اجتماعي كالعامل الطبيعي في طقس البلاد وجوها وفي تأثير البيئة على الأخلاق وفي الحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلد. ولا يزيد في مقالتنا هذه أن تبحث في كل هذه العوامل ونطبقها على مصر، فإن ذلك لم يكن من غرضنا عند كتابة المقال، ولكن اطراد الجرائم في السنوات الأخيرة دعانا إلى البحث عن العلة الحقيقية التي أوجبت ذلك وإرجاعها إلى مصادرها في مساوئ العقوبات الحالية وفساد أنظمة السجون مما لا يلائم الغرض المقصود من توقيع العقاب على المجرمين. وبعبارة أخرى نريد أن نعرف ونحن في القرن العشرين إلى أي حد بلغت بيننا تلك الكلمة الخالدة التي نطق بها البابا كليمانس الحادي عشر منذ ثلاثة قرون واتخذها عنوانا لمقالتنا. نريد أن نبحث في الأغراض التي يرمي إليها المجتمع من وضع العقاب ومعرفة خير الوسائل التي تلائم هذه الأغراض وترد الجرم إلى الإصلاح والهداية. ليس الغرض ان نقبض على الجناة ونعاقبهم، إنما نرومه لهو أعلى وأسمى من ذلك! إننا لا نريد أن تمتلئ السجون بالمجرمين وأن تقوم الحاجة إلى بناء سجن بعد سجن كما حدث في المنصورة أخيراً، ولكن نروم علاج الحالة الحاضرة وتلمس الدواء لهذا الداء الوبيل.

مضى الزمن الذي كان المجتمع يثأر فيه من المجرمين لا لشيء سوى جرائمهم، ومضى الزمن الذي كانوا ينظرون فيه إلى المجرم كأنه جرثومة يجب أن تستأصل ووباء فتاك يجب أن يضرب حواليه الحصار، وأصبح ينظر إلى المجرم كأنه طفل صغير جدير بالشفقة والعناية. لقد عرف العلم الحديث أن أهل للرعاية والشفقة وأنه ليس إلا آلة تسيرها عوامل مختلفة نحوالإجرام. إن ظروفه هي التي تدفعه إلى ارتكاب الجرائم، إنها أعصابه ووراثته والمجتمع الذي نشأ فيه وليس تفكيره وإرادته. ومن قرأ رواية الجريمة والعقاب