للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الآداب وتطورها]

للكاتب الاجتماعي الدكتور عبده البرقوقي

اختلف العلماء والفلاسفة في تعريف الآداب. وسبب الخلاف راجع إلى أنهم غير متفقين على معرفة الأصل الذي نشأت عنه وتشعبت منه. وقبل أن ندلي بتعريفنا يجب أن نتساءل عن منشأ الآداب وكيفية وجودها. وهل هي غريزية في الإنسان أو اكتسابية، وإن كانت إكتسابية فمن الذي أكسبه إياها؟ الدين أو الإجتماع أو هو الذي اخترعها من نفسه تسهيلاً لأعماله؟

يرى فريق من العلماء أن الآداب غريزية في النفس وأن الإنسان مفطور على تمييز الخير من الشر وأن الآداب قائمة بذاتها غير متصلة بالدين ولا متفرعة عن الصالح العام. فالخير خير لذاته لا لأنه نافع أو لأن الدين أمر به والشر شر لذاته لا لأنه ضار أو لا لأن الدين نهى عنه.

ولو كان هذا الرأي صحيحاً للزم أن تكون الآداب جامدة ولا يعتورها التغيير والتبديل مهما تغيرت الأحوال وتبدلت الشؤون. فالشر شر والخير خير منذ وجد الإنسان إلى ما شاء الله.

بيد أن الواقع يخالف ذلك. والمشاهد أن الآداب مختلفة باختلاف الأزمنة والأمكنة والشعوب وإن كان اختلافها بطيئاً لا يلحظ إلا إذا كان المدى بعيداً. أما إذا كانت المسافة قصيرة فيخيل إلى الناظر أن الآداب ثابتة لا تتغير.

ويرى العلماء الروحانيون ومن على شاكلتهم أن مصدر الآداب الدين. فإن الدين هو الذي أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وأعد للمتقين جنات النعيم وللأشرار عذاب الجحيم. ولولا الدين لكان الإنسان كالعجماوات خلوا من كل فضيلة يرتكب المنكرات من غير حياء ولا جزع ومن لا دين له لا يرتجى منه خير ولا يتقي شره.

غير أن من بين المتدينين الذين لا يتطرق الشك إلى يقينهم ولا يتوانون في تأدية واجباتهم الدينية من يرتكب الشر ويقترف الجرائم من غير أن يكون لديه سلطان عليه. يذوب أسى وخشوعاً إذا ذكر الله وإذا فرغ من صلاته هب إلى خطف الأرواح واختلاس الأموال ونهش الأعراض مستعيناً بالله وملائكته ورسله على تحقيق آماله. وهل يصعب على الإنسان أن يوفق بين دينه وشهواته ويتلمس لجرائمه ما يبررها في نظره ويخلق لنفسه