للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موت رجل كبير

[وفاة عمر سلطان باشا]

في شهر فبراير الماضي، مات رجل كبير من الأفراد الذين هم في التعداد التاريخي بألوف من الناس، وفي تقدير الحياة أفضل من ربع سكان المملكة، مات عظيم من المصريين كانت له نفس كبيرة، وروح كريمة، وأثر مذكور، وسكن نبض خفاق في جسم أمة هامدة، وتعطلت حياة نشيطة نبيلة من صور مختلفة من الموتى، مات رجل بكل معنى الرجولة، في زمن نحن فيه أحوج إلى نصف رجل، لأن الفرد النافع في أمة مثل أمتنا يعد عنصراً غريباً ظاهراً بينا إذ كنا لم نعتد بعد أن نكون على شيءٍ من النفع، مات المرحوم عمر سلطان باشا وهو اسم مجيد من الأسماء الكبيرة التي تطل صورتها من مجموعة صور الماضي، وسلسلة ذهبية من أسرة معروفة في تاريخ هذه البلاد. بل هو ذكرى حلوة عظيمة الأثر في نفوس المصريين هو نسخة أخرى من رئيس أول مجلس من مجالس النواب في تاريخ هذا البلد لأن كلمة سلطان باشا لا تزل تهز فؤاد كل مصري، لأنها تعود إلى ذكرى سلطان باشا الكبير، والد فقيد اليوم، رئيس مجلس النواب القديم.

ومن ثم كان سلطان باشا الصغير يحمل في نفسه دستورية سلطان الكبير وعظمته وفضله إذ كان اسمه في تاريخ المآثر الأهلية والمكرمات العمومية في رأس القائمة، وطليعة الصحيفة، ونحن نعد موته خسارة كبرى، ونكبة عظيمة للفقيرين والمعوزين، وضربة للخير، ومصاباً نزل بالرحمة، لأن كل ثروة في الأمة من ثروات الأفراد الكبار هي حجر صلب متماسك في بنائها. وركن متين من أركانها، لأن حياة الأمم الجيوب، وفي المصارف وفي الخزائن. ثم هي بعد ذلك الأيدي، ثم في الأعمال الكبيرة والمفاخر العظيمة. لأن كل رجل غني ينفق من ماله على غير مناعمه يعد رجلاً نادراً ملائكي النزعة، لأن للغني عدة من الطبائع يكتسبها صاحبها من ورائه، وكل ورقة مالية تدخل في جيب الغني الحريص تنزع ورقة من صحائف كتاب الشفقة، حتى لقد كاد كتاب الشفقة لا يبقى منه إلا غلافه، ولعل الأقدار تهب بعض الناس نعمة الغنى، ثم تصيبهم بعدها في قلوبهم بكل مادة القسوة لكي يمشوا في الدنيا بقلوب ذهبية.

وإذا كان ذلك كذلك فحليقٌ بكل مصري أن يحزن لفقد هذا الرجل التقي الصفحة، في وسط