للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الأستاذ ويلسون]

رسول السلام

ونهوض العالم الجديد لإطفاء نار العالم القديم

دخلت أمريكا الحرب العامة، وهي المرة الأولى في تاريخ تلك الديمقراطية العظيمة التي إنما أسست على السلام، لا للحرب ولا للقتال والصدام، سمع فيها الناس جميعاً باشتراكها في حرب الإنسانية العامة على حين أنها بعيدة عن ميدان القتال بآلاف الأميال، ولا مطمع لها في أرض، ولا صالح لها في مستعمرة، ولا مطامع لها تمد إليها عينها، ولا أغراض تريد من دخول الحرب تحقيقها، بل وثبت من مكانها فاجتازت الأوقيانوس يقودها رجل عظيم، ويحركها رأس جبار، لإطفاء نار الحرب، وتهدئة تلك الجنة التي تولت أهل العالم القديم، وتسكين سورة تلك الحرب التي كادت تودي بالحضارة العظيمة، حتى استطاع ذلكم الرجل النادرة رسول السلام أن يظفر بالاحترام والتقدير للجميل والاعتراف بالصنيع المحمود، من كل رجل يحب الحق، وينتصر للحرية، ويجنح إلى السلام.

وقد قرأنا في إحدى المجلات الكبيرة بحثاً طلياً ممتعاً كتبه عضو مشهور من أعضاء البرلمان البريطاني عن الأستاذ ويلسون رئيس تلك الجمهورية الكبرى، وهو بحث جديد لم ينشر نظيره في الصحف، ولم يكتب ضريبه في المجلات، فإن الكاتب - وهو مستر اكونور - ظل أعواماً عدة يدرس آراء ويلسون وكتاباته، ويعجب بمبادئه السياسية، وزار أمريكا فلبث فيها عاماً أو يزيد، صرف أكثره في واشنطن، وزار ويلسون وتحدث إليه، حتى استطاع أن يصور الرجل الصورة التامة الحقيقية، وقد آثرنا أن ننشر ذلك البحث الجميل الممتع، تخليداً لأكبر شخصية في التاريخ الحديث، وتقديراً لعظمة نصير الإنسانية الضعيفة، ومؤيد الدعوة إلى السلام العام.

هذا الرجل هو وليد المتحف والمكتبة وابن أمريكا وإيرلنده، وإن فيه لجميع ملامح العنصرين، ولم أر قبله رجلاً تبدو عليه دلائل أصله، وأمارات الجنس الذي انحدر عنه، في روعة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها فإن جده وجدته هبطا من مقاطعة الصتر وكان الجد صحفياً صفوة عمره، وكان والده قسيساً عصرياً مستنيراً، ولهذا كان الجد والأب من الطبقة المهذبة، وكانا معاً من أهل المواهب الذهنية، وكانا قارئين مشغوفين