للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المقالات والرسائل]

معرفة أخلاق الناس

للكاتب الانكليزي الكبير وليم هازلت

ما أقل ما نعرف من هذا الأمر مع كثرة الفرص وطول الدربة فكلما زاد فيه المرء علماً قل فهماً وزاد حيرة.

وإني لأذكر في حديث جرى بين جماعة منذ سنين أن أحدهم ذكر رجلاً تزوج امرأة بعد أن عاشرها ثلاث عشرة سنة فقال له آخر لعله استطاع في هذه المدة الطويلة أن يعرف أخلاقها. فأجابه الأول كلا فلعلها تظهر له في صبيحة العرس بصورة هي عكس ما أبصرها عليه أثناء السنين الثلاث عشرة. فسرني ذلك الجواب جداً وأخذني العجب لما ذكرت شدة صعوبة ذلك الأمر وأنه من المحال على المرء أن يقول لنفسه يوماً ما لقد انكشفت لي مغيبات صدر فلان. وقد خضت بنظراتي النافذات بين جوانح هذا الإنسان.

وهناك ثلاثة طرق للوصول إلى معرفة الأخلاق - من لوائح الوجه ثم من الحديث ثم من الفعال. والأولى أصدق الثلاث على ما يظهر للناس من ضعفها وبعدها من الحقيقة. وهي التي يجب أن يعتمد عليها مع إنكار الناس إياها وبراءتهم منها. فأما حديث الرجل وكلماته فطالما تكون دعاوي كاذبة لا معول عليها وأما أفعاله فربما كانت متكلفة غير حقيقية. ولكن لوائح الوجه هي ما لا طاقة للمرء بتكييفه كما يحب ويشتهي ولقد قال رجل من مشاهير الأدباء ما وهب الله المرء لسانه إلا ليستر به نواياه وأفكاره. وإنك إن تنظر إلى صورة كرومويل رأيته قد زر فمه كأنه يخشى عثرات اللسان إذا هو أرسله. وقد نصح إلينا اللورد شستر فلد في رسائله أنا إذا شئنا أن نعرف كوامن وجدان من نحادثه فلننظر إلى وجهه فإنه أشد سلطاناً على لسانه منه على أعضاء وجهه. وربما نافق الرجل طول عمره وتصنع حتى أصبحت حياته خدعة للناس ولنفسه. ومع ذلك فلو أتيح له مصور بارع فصوره لأثبت على الرقعة أخلاقه الحقيقية لإبصار الخلف والذرية وأبرزه بظهر اللوح عارياً من ثياب نفاقه واضحة للعيان حقيقته ما وضحت الشمس في رابعة النهار. وقد كانت آراء الناس في الأمير شارل الخامس شتى لعله من اختلاف الأهواء والأغراض ثم من تناقض أعماله وتباين أحواله ولكن من ألقى نظرة في صورة ذلك الأمير كما أبدعتها ريشة