للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نوادر وملح وفكاهات]

ننشر في هذا الباب من النوادر المستطرفة والفكاهات المستملحة ما تتروح إليه نفس القارئ وينتفي معه ما عساه يعرو النفس من الكلال لطول النظر في المباحث الجدية إن شاء الله.

كان أبو دلامة واسمه زند بن الجون من الشعراء المجيدين وكان ماجنافكها ذا نوادر مستظرفة وقد كان منقطعاً إلى السفاح وأبي جعفر المنصور وابنه المهدي.

حدث أبو دلامة قال أتي بي إلى المنصور وأنا سكران فحلف ليخرجني في بعث حرب فأخرجني مع روح بن عديّ بن حاتم المهلبي لقتال الشراة. فلما التقى الجمعان قلت لروح أما والله لو أن تحتي فرسك ومعي سلاحك لأثرت في عدوك أثراً ترتضيه مني فضحك وقال لأدفعنّ ذلك إليك ولآخذنك بالوفاء بشرطك ونزل عن فرسه ونزع سلاحه ودفعهما إليّ ودعا له بغيرهما فاستبدل به فلما حصل ذلك في يدي وزالت عنه حلاوة الطمع قلت له أيها الأمير هذا مقام العائذ بك وقد قلت بيتين فاسمعهما فقال هات فأنشدته:

إني استجرتك أن أقدم في الوغى ... لتطاعن وتنازل وضراب

فهب السيوف رأيتها مشهرة ... فتركتها ومضيت في الهرّاب

ماذا تقول لمن يجيء ولا يرى ... لما درأت الموت في النشاب

فقال دع هذا وستعلم. فبرز رجل من الخوارج يطلب المبارزة فقال أخرج يا أبا دلامة فقلت أنشدك الله أيها الأمير في دمي فقال لتخرجنّ. قلت أيها الأمير إنه أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا وأنا جائع ما تنبعث مني جارحة من الجوع فمر لي بشيءٍ آكله ثم أخرج فأمر لي برغيفين ودجاجة فأخذت ذلك وبرزت من الصف فلما رآني الشاري أقبل نحوي وعليه فرو قد أصابه المطر فابتل وأصابته الشمس فاقفعل وعيناه تقدان. فأسرع إليّ فقلت على رسلك يا هذا كما أنت. فوقف فقلت: أتقتل من لا يقاتلك قال: لا. قلت أفتستحل أن تقتل رجلاً على دينك؟ قال: لا. قلت: أفتستحل ذلك قبل أن تدعو من يقاتلك إلى دينك قال لا فاذهب عني إلى لعنة الله. فقلت لا أفعل أو تسمع مني. قال: قل. قلت: هل كان بيننا عداوة قط أو تعلم بين أهلي وأهلك وتراً. قلت: ولا أنالك إلا على جميل وإني لأهواك. وانتحل مذهبك. وأدين بدينك وأريد الشر لمن أراده لك. قال يا هذا جزاك الله خيراً فانصرف. قلت: معي زاد أريد أن آكله وأريد مؤاكلتك لتتأكد المودة بيننا ونرى أهل