للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية الطبيعية]

مبادئ عامة

تابع

فإن مثل هذا لا خير فيه لنفسه ولا للناس. لأنه يظل حياته يرجف من الموت ويتحصن منه وراء الأطباء والصيادلة وما يغني الأطباء ولا الصيادلة. ولأن جسمه عقبة في سبيل تهذيب روحه. وأي فائدة في العناية بمثل هذا فإذا فقدناه كانت الخسارة مضاعفة على المجتمع! كلا. فليقم رجل منكم غيري على هذا الضاوي الضعيف. وله مني الشكر على جميل صنعه ومعروفه وكيف لي أن أعلمه كيف يعيش الجسم ولا هم له إلا اتقاء الموت؟

ولابد للجسم أن يكون ضليعاً مريراً ليقوى على النهوض بتكاليف الروح. فإن أحسن الخدم أشدهم أسراً وأوثقهم ممرّاً وأنت خبير أن الإلحاح على الشرب يهيج الإحساس ويثير العواطف ويسلب الملحّ قوته على مر الأيام وأن التعذيب والصيام يبلغان بالمرء إلى مثل ذلك والجسم إذا ألح عليه الضعف لج في العصيان وهو على العكس مطواع إذا تماسك واشتد. وكلما ضعفت الأجسام اشتدّ بالنفوس النزاع إلى الشهوات وطغي بها طلب اللذاذات. وأسوأ ما تكون هذه النفوس خلقاً إذا أعياها التماسها وأعجزها بلوغ مأربها منها.

وإذا تداعى الجسم فلا عجب أن تضاءل الروح وتطمئن إلى الضعف وتخلد إلى الفتور وعلى ذلك قامت دولة الطب وملك الصيدلة وما علمت شيئاً أضر بالرجال من هذين ولست والله أدرى من أي داء يشفينا الأطباء وإني على هذا لأدري أنهم ينشرون فينا الجبن والخور وسرعة الأستامة إلى كل قول والخوف من الموت. ولعمري لئن صح أنهم يصلحون الجسم بما يطبون فإنهم يقتلون الشجاعة ويفتكون بالبأس وما خير أجسام ميتة تغدو وتروح. إن حاجتنا إلى الرجال لا إلا الأشباح وما عهدنا الأطباء عندهم ما نبغي ونريد.

وقد أصبح الطب (مرده) وحق له أن يكون كذلك فإنه ملهاة النّومة ومسلاة المتبطل الذي لما لم يجد ما يعمله جعل يدافع وقته بالطب وهو يحسب إن ذلك يطيل عمره ويمد في أجله. ولو ابتلى هؤلاء بالخلود لكانوا أتعس الناس وأشقاهم لأن الحياة وهي كل ما كانوا يحرصون عليه تصير إذ ذاك في مأمن من غوائل الموت فلا يكون لها عندهم قيمة أو