للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أفكار بليدة]

لمفكر بليد

هذا اسم كتاب بديع حلو الأماليح يمتزج فيه الجلد باللهو وتختلط الفلسفة فيه بالدعابة، يحتوي طائفة من الأفكار الجديدة والآراء الصائبة المستملحة، وقد اشتهر مؤلفه الكاتب الانجليزي الماجن جيروم. ك. جيتروم بأنه من أبدع الكتاب الفكاهيين في العصر الأخير، ونحن نقتطف منه قطعاً صالحة لتفكهة القراء.

١ - الغرور

إن الرجل الطيب في نظرنا هو من كان طيباً لنا، والرجل السيء هو الذي لا ينزل على ما نريده منه، والحق الذي يقال إن كل إنسان منا يحمل في قلبه عقيدة ثابتة راسخة، هي أن هذه الدنيا العريضة كلها بناسها وجماداتها ما خلقت إلا له وحده فرجال الأرض ونساؤها لم يخلقوا إلا ليعجبوا بنا وليشبعوا شهواتنا وليسدوا مطالبنا، وأنا وأنت أيها القارئ العزيز كل منا يعتقد أنه مركز الكون كله وقطب رحاه، فأنت - كما أفهم - جئت إلى هذا الوجود لكي تقرأني وتدفع ثمن ما قرأت، وأنا - في نظرك - لست إلا شيئاً أرسل إلى هذا العالم لكي يكتب لك شيئاً تقرأ. والنجوم لم تنتثر في صفحة السموات إلا لتجعل منظر السماء في الليل مبهجاً لنا جميلاً، وهذا القمر البازغ الحلو لم يطلع إلا لكي نتحاضن تحته ونقبل ونعانق ونشاغل.

وإني لأخشى أن نكون مثل ديك جارتنا إذ ظن أن الشمس تطلع كل صبح لكي تستمع لصيحاته، بل إن الغرور هو الذي يحرك هذا العالم ويسيره، وما أظن أنه عاش على هذه الأرض إنسان واحد لم يكن مغروراً، ولو وجد إذن لكان يكون رجلاً لا قبل لنا به ولا طاقة لأحد منا على احتماله، ولقد كان يكون ولا شك رجلاً طيباً جداً، رجلاً يوضع في زجاجة ويطاف به على الناس للفرجة والمشاهدة، رجلاً يوضع فوق قاعدة تمثال ونلتف به نرسمه كما يفعل التلاميذ في كراسات الرسم. نعم إنه ليظفر منا إذن بالاحترام ولكن لن يظفر بالحب، لن يكون عندنا الأخ الآدمي الذي نأخذ يده في أيدينا ونشد عليها في حرارة ود وحب، وذلك لأن الملائكة قد تكون في نفسها حلوة المحضر طيبة ولكنا نحن بني الموت لعلنا وأجدوها غير لذيذة العشرة ولا رقيقة السمر، بل إن الرجال الطيبين طيبة مجردة لا