يشوبها شيء من نقائص البشر ثقال الظل ولا مؤاخذة، لأن عيوبنا ونقائصنا - هي التي تمزجنا بعضنا ببعض وتجعلنا نتواد ونتحاب، ونحن نتباين كثيراً في سجايانا ومحاسننا ولكننا مجتمعون مشتركون في مساوينا، فمنا البررة الأتقياء، ومن الأكرمون الأجواد، وقليلون فينا الأمناء، والأقلون بيننا الصادقون، ولكنا جميعاً والله الحمد مغرورون، والغرور هو ولا ريب من مراحم الطبيعة التي تؤلف ما بيننا وتقرب مسافة الفروق، فنحن بجمعنا من الهندي الفارس المزهو بحزامه ومنطقته إلى الجنرال الأوروبي المنتفخ تحت نجومه وأوسمته، ومن الصيني الفَرح بضفائره الصفراء إلى الحسناء المتكلفة تتحمل العذاب والآلام لكي تعجل خصرها أشبه بحلقة الكعكة، ومن المرأة الفقيرة تخطر في الشارع تحت مظلتها المتخرقة البالية إلى الأميرة وهي تتثنى في حجرة الاستقبال تجر وراءها ذيلاً يربي في طوله على أربعة أمتار، كلنا نعيش ونتشاجر ونجرح وندمى ونموت تحت علم الغرور المرفرف الخفاق.
نعم. إن الغرور هو ولا شك القوة الدافعة التي تحرك الإنسانية وتجرها والملق هو الشحم الذي تدهن به عجلاتها، فإذا كنت تريد أن تغنم الحب والاحترام في هذا العالم فأنت خليق أن تملق الناس وتمتدحهم، إذن فأملق الرفيع والوضيع والغني والفقير والمغفل والعاقل والأحمق والرزين فأنت ولا ريب ظافر بحياة بين الناس حلوة راغدة أمدح فضائل هذا ونقائص ذاك، وحي كل إنسان وأمدحه على كل شيء، ولاسيما على ما لم يؤتَه وما ليس فيه، أمدح المشوهي الخلقة القباح الوجوه الملعوني الشبه بالجمال والرشاقة والحسن واستحسن من الحمقى ذكاءهم وأبد إعجابك من الوقحاء الأراذل لتربيتهم وكرم أدبهم، وإذ ذاك يرفعون دقة بصرك وذكاءك ولطافة ذوقك إلى السموات.
ثم إن للملق طرقاً مختلفة وأساليب عدة، وأنت ولا ريب حري بأن تتخذ لكل موضوع الأسلوب الذي يلبسه، فكثيرون يحبون أن يقدم الملق إليهم بالمعالق وهذا النوع لا يطلب شيئاً من البراعة والتفنن، وهناك جماعة من العقلاء يحبون أن يكون التملق لهم بالإشارة لا بالكناية والعبارات، وآخرون يحبون أن يكون ملفوفاً في غطاء من الشتيمة كأن تقول لأحدهم - يا لك من أحمق مغفل، إنك لترمي بآخر قرش معك لأول سائل يلقاك! - ثم إن هناك جمعاً غير هؤلاء لا يتذوقون الملق إلا إذا قدم إليهم عن يد رجل ثالث فإذا أراد أحمد