للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[جرجي زيدان ك]

بقلم الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

مات في الشهر المنصرم (يوليه) جرجي بك زيدان منشئ مجلة الهلال ومؤلف تاريخ آداب اللغة العربية وتاريخ التمدن الإسلامي وسلسلة الروايات التاريخية وغير ذلك من المصنفات والرسائل، وقد كان بودنا أن لا نكتب عنه الآن ولما يمض على وفاته إلا بعض شهر لأن عهدنا به مازال حديثاً فقد لا نخلو من تحيز شديد له أو عليه، وقد لا نستطيع أن نجله الإجلال الذي ربما كان أهله، أو نستصغره الاستصغار الذي قد يستحقه، ولسنا على يقين من أن الناس سيذكرونه بعد عام أو عشرة، لأن مر الأيام يجرد المرء مما ليس له، ويعريه مما ألبسته الشهرة وكساه الوهم، فليت شعري ماذا يسلب الزمن هذا الرجل بعد دورة أو دورتين، هذا ما أتمنى أن أعرفه لو كان إليه سبيل، فقد أريت نفراً من الأدباء كان الناس يتفخمونهم ويكبرونهم ويكاد بعضهم يجن بهم جنوناً، قد طويت اليوم صحائفهم وشغل الناس بسواهم من الناشئين غير أن هذا ليس خليقاً أن يمنعنا من تقدير عمله تقديراً لا ندعي أنه في الصميم من حبة الصواب ولكنه غاية ما يسعه الطوق ويبلغه الجهد، وليعذرنا القارئ إذا رآنا أصرح مما يتوقع ولا يستعجل باتهامنا ورمينا بسوء القصد بيد أنا عاذروه إذا حك في صدره شيء من ذلك لأنه لم يسبق له بنقد سير الرجال عهد.

لم يكن زيدان عظيماً ولا فحلاً من فحولة الكتَّاب ولا من أصحاب المبادئ ولا من ذوي البسطة في العلم والرسوخ فيه، وإنما غاية ما نستطيع أن نقوله عنه أنه كان من أرباب الاجتهاد مطبوعاً على العمل كثير الدؤوب عليه، هذا فضله وتلك مزيته في رأينا، على أنه فضل يشاركه فيه سواد عظيم من الناس، وإنما ظهر زيدان دون غيره ممن يماثلونه في هذه الصفة - وهم عديد الرمل في كل قطر - لأنه جعل الكتابة حرفة ومرتزقة ولولا ذلك في تقديرنا لعاش ولم يكترث له أحد ومات ولم ينعه أحد إلا آصرته وعارفوه، ويخيل إلينا أن زيدان لو ضاع منه مفتاح مكتبته لما عرف كيف يملأ صحائف هلاله!.

وليست مؤلفاته من الإبداع والحسن بحيث تصبح عندنا في مرتبة آبائنا وأحبابنا وتجاربنا لما يتجلى فيها من سعة الروح التي تكاد تلتهم الدنيا وتساوي العالم الذي تصوره! كلا! ليست كتب زيدان من هذا الصنف وليس زيدان في الحق إلا رجلاً من الأوساط لم يرفعه