للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[حوادث البلد]

الوزير الجديد

إن مقاعد الوزارات كالمقاييس الزئبقية، تجري مع أحوال الجو. وتتقلب بتقلباته وتهبط أو ترتفع مع هابطات درجاته ومرتفعاتها، فقد يطلع اليوم عليها بجو ساج هادئ ولكن لا يكاد يغيب اليوم حتى يقصفها من السياسة عاصفة هوجاء قاسية، ولذلك كان المقتعدون مقاعد الوزارة كالجالسين فوق كراسي المصاعد الكهربائية ليس أسرع من حركات صعودها وهبوطها، فقد كان الشهر الماضي شهر الاستقالات الوزارية، فاستقال فنزيلوس - أو كما يسمونه جراي الثاني في اليونان، واستقالت الوزارة في إيطاليا، وأوشكت الوزارة أن تستقيل في انجلترا، وبوغتت الأمة المصرية باستقالة وزير من وزرائها. . .

هذا وقد وقعت خيرة الحكومة المصرية لمقعد وزارة الأوقاف على حكومي كبير عرفه الشعب في جميع الوظائف التي أسندت إليه، رجل حاد لروح، حي الوجدان صريح الكلمة، يجري في جميع عمله على مبدأ احترام النفس، والإخلاص إلى العمل والعمل في صمت وهيبة وسكون، ويستمد من الروح الجندية التي فيه روح النظام المتين التام المتماسك، وروح القوة العملية التي لا بعتاقها شيء من مغريات الضعف والتلكؤ والتكاسل وبرودة الإحساس، فأنت لا تراه في عمل من الأعمال إلا رجل عمل يحترم كل ما يعمل لأنه يحترم نفسه، ويقدر المنصب المسند إليه لأنه أشد الناس تقديراً لشخصيته. . ونعني به صاحب المعالي إبراهيم فتحي باشا وزير اليوم ومدير الأمس.

ولقد كان عهده في مديرية الغربية من أشد العوامل في تطهير أدرانها من عناصر الضعف ومهلكاته، إذ كان الرجل الكبير الشخصية إنما يرفع إليه العمل الذي يعطاه ويأبى أن ينزل هو إليه، وكانت الأعمال لا تسمو بنفسها بل بالقائمين عليها وليس تأثير الحكوميين على المناصب إلا أعظم من تأثير نفسها عليهم، ولهذا نتوقع أن ستكون وزارة الأوقاف تحت هذا الوزير الجديد في طليعة الوزارات انتعاشاً وسمواً وقوة، وقد كنا نريد أن ننشر للقراء صورة حقيقية من أخلاق هذا الرجل الكبير وآدابه ومميزاته لو لم يضق نطاق هذا العدد دون ذلك ولكنا موافو القراء بها في أحد الأعداد القادمة. . .

الإصلاح الاقتصادي الكبير