للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[حديث القمر]

عرضت لأديبنا المفضال السيد مصطفى صادق الرافعي فترة من الفراغ في صيف هذا العام أراد أن يقضي فيها حق نفسه وأن يغتنم بها أنفاس الراحة مما يعاني في إنجاز كتابه الفريد (تاريخ آداب العرب) الذي لا يزال يقول عنه أنه دين عليه للأمة حتى يؤديه فهجر الكتابة والكتب ولكنه ما تنسم أنفاس الطبيعة حتى استحالت في قلبه الكبير معاني من الشعر أو من السحر فنفثها في ألفاظ، أفتن للقلوب من الألحاظ، وصورها في جمل، أطرب للنفوس من الأمل، وألم فيها بكل ما يضرب له قلب الإنسان حتى كأنها صنعة كل قلب وقد سماها (حديث القمر) وقدمها للطبع والرافعي هو الأديب الفذ الذي يستطيع في هذا العصر أن يعارض أبدع أساليب المتقدمين في الكتابة والبيان وأن يربي عليهم بما وهبه الله من قوة الخيال التي لا يقصر بها عن معارضة أرقى كتاب المتأخرين في أمم الشعر والجمال لعهدنا وقد جرى في حديث القمر على نمط من الكتابة يمزج فيه الشعر بالفلسفة والخيال بالحقيقة ويلقي منه إلى القلب والروح ما وحت إليه الطبيعة من الجمال والجلال وما نظن هذا الكتاب إلا محدثاً انقلاباً كبيراً فإنه على صغره يعي ما يستوعبه القلب من الحياة وأكبر فوائده فيما نرى لطلبة الإنشاء المتين البديع الذين يريدون أن يكتسبوا ملكة صحيحة من النقد وصحة النظر وسمو الفكر وقوة الخيال وهي صفات لا يكون الإنشاء بدونها ولا تعطيهم كتب المختارات وغيرها شيئاً منها فإن هذا (الحديث) فيما رأينا مكتوب على طريقة لتربية الخيال والفكر كالطريقة التي تضع بها كتب التربية العلمية للنفس فلا يقرؤه الطالب حتى يخرج منه بروح جديد وهي طريقة في تعليم الإنشاء لم يطرقها أديب إلى اليوم مع أنها الطريقة الطبيعية ولا تزال الطبية تضن بحقائقها إلا على رجالها الأفراد فكلما ظهر أحدهم بحقيقة منها رأيناه وكأن في يده شهادة من الطبيعة أنه رجل من نوابغها. ونحن ناشرون اليوم هذه المقدمة الساحرة التي بين فيها الرافعي أغراض كتابه وهي وحدها بكتاب كامل.

غرض الكتاب

هذه مقالة صرفت فيها وجه الحديث إلى القمر وبعثت إلى الكون في أشعة الفجر كلماتها.

ولقد كان القمر بضيائه كأنه ينبوع يتفجّر في نفسي فكنت أشعر بمعاني هذا الحديث كما