للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجهل وخجلنا منه]

وطرق إخفاؤه

ليس في العالم شيء هو أشد ما يبعث الخجل فينا من أنفسنا ويشعرنا بالعار من اعتقادنا بجهلنا، مع أن جميعا جاهلون بأغلب الأشياء التي لا بد من العلم بها وإذا صح هذا أفليس عجيبا أن نخجل من ظهور غلطنا ونستحي من نقيصة هي عامة منطبقة على الجميع على أنا لم نكن لنخجل أو (لننكسف) لولا خوفنا من أن نصغر في أعين الناس ونضؤل في المجتمع، فإذا أظهر أحد الناس جهلنا باللغة الألمانية مثلا أو بقوانين لعبة البليارد أو البر يدج أو بأي موضوع آخر فنحن لا نحفل بكلامه ولا ببراهينه على أنا جهلاء ما دمنا على انفراد معه لا ثالث لنا. لأننا لا نستطيع أن ننكر كل شيء ونستمر على (بلع) جهلنا بلا خوف ولا خشية، وثانيا لأن لا ننعدم كلمة تتفق لنا معرفتها، ولا يعرفها محدثنا، أو كتاب نحبه ولم يكن قرأه، ونستطيع أن (نلخمه) به. ثم يمكن لنا أيضاً أن ندعي أن الموضوع الذي ظهر فيه جهلنا موضوع تافه لا أهمية له - أو موضوع خاص يتشدق بمعرفته الأدعياء، وأنه موضوع مركون في زوايا الإهمال لا يحفل به أحد. ونستطيع كذلك أن نرسل ضحكة طويلة عالية في وجه مخاطبنا ونقول له إنه حافظ له كلمتين وإنه لا يتخير ما يحفظه وإنه يجب أن يظهر معرفته ويخرجها في الهواء الطلق لتجفيفها من الرطوبة التي علقت بها من كثرة خزنها في ذهنه. أو نستطيع أن نهاجمه بالنكت والدعابات والسخريات حتى يغضب ويغلق باب الحديث وهلم جرا ولهذا لا ضرورة إلى الخجل ولا حاجة بنا إلى الإستحاء.

ولكن ما العمل إذا حضر مجلسنا قوم آخرون. وتلك التي تصفر منها الأنامل. هذه مسألة أخرى. لأن الخجل من جهلنا لا يلبث أن يعلونا ويهزمنا هزيمة ملعونة. ولا يترك لنا وسيلة للدفاع عن أنفسنا. يل نصبح تحت رحمة الشخص الذي كشف الغطاء عن جهلنا الفاضح ولا يسعنا إلا الاعتراف بالجهل والرضا بالمعرة والخزي.

ولكن لا تنسى أن كل هذا يتوقف على تقدير الناس الذين في المجلس لمعنى الجهل. ولا شك في أنه أظهر أحدنا جهله بركوب الخيل في نادي السباق مثلا فلا يكون نصيبه إلا الفضيحة. والعار الشنيع. وكذلك إذا كنت في مجلس بعض العمد والأعيان. في أحد البنادر