للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مجلة البيان]

بعث إلينا أحد كبار الكتاب في مصر الكلمة الآتية تحت هذا العنوان - وكلها كما يرى القارئ مدح وإطراء لهذه المجلة ولصاحبها_ونحن فلا نرى أننا أدينا لأمتنا الكريمة من الواجب ما نستأهل له بعض هذا الحمد والثناء. ولولا ما نجتليه أثناء سطور هذه الكلمة من آيات الإخلاص والغيرة الصادقة والحمية الشريفة لكنا اجتزأنا عن نشرها بالشكر لصاحبها المفضال_قال غفر الله لنا وله.

الأزمنة كالأمكنة فيها المثمر العشيب، والممحل الجديب، وأعشاب الزمن وأجدابه، إنما هو بإثرائه من العلوم والأخلاق أو بأنفاضه. ولقد قدر لي والحمد لله أن أقضي حياتي بأحسن الأماكن وأسوأ الأزمان.

وأنفق ساعاتي بألأم العصور وأكرم البلدان. فأنا أعيش في روضة (مصر) من أخصب رياض الدنيا. ولكن في صحراء من أفقر فيافي الزمن. تمتد فيها رمال الجهل إلى غير نهاية، ويستعر فيها هجير اللؤم والقسوة تحت سمائم الشغب والصخب. في مثل هذه البيداء الزمنية لا يجد الإنسان - ولا يرجو أن يجد_أدنى ظل لأكرومة، ولا أحقر غرس لمحمدة ولا أضأل منهل لعرفان. وأن تواتر على عينه سراب هذه الفضائل بالغرور والخديعة. وصادف هنا وهنالك وشلا من علم وضحضاحاً من أدب. وكذلك كل ما لقيت بهذه الصحراء الزمنية. إذ أسافر فيها على مطيتي الليل والنهار. وأنا أقول في نفسي أما آن أن نفضي إلى عين من الطبع الكريم جارية، وبئر من الخلق العظيم صافية، وشجرة من ورق العرفان حالية، وقطعة من ظل المروءة ضافية - أعلل النفس بهذه الآمال وأمثالها إلى أن سرى إليّ في أواسط عام سنة ١٩١١ نسيم طيب شممت فيه ريح الأستاذ الإمام محمد عبده وإذا مهب ذلك النسيم من أوراق شجرة أنبتها نهران غزيران أحدهما يفيض من ذهن الشيخ عبد الرحمن البرقوقي والثاني ينبع من جيبه. وسألت عن اسم هذه الشجرة البرقوقية فقيل هي مجلة البيان.

ألا حيا الله هذه المروءة وأيد الله تلكم الهمة، لقد راعني والله ما رأيت وحير لبي وهالني حتى رابني الأمر واشتبه عليّ الزمان والمكان أين أنا؟ في أية جهة أنا! ألست في عصر الجمود واللؤم؟ ألست في عصر المادة والجوع والشره، واصطدام الذئاب على تلك العظمة النخرة، والجيفة القذرة التي يسمونها الدنيا؟ ألست في عصر المعدن - عصر الحديد الذي