للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تاريخ النزاع بين العلم والدين]

النهضة العلمية عند العرب

نعود اليوم فنلخص للقارئ في السطور الآتية فصلاً جليل الشأن مستفيضاً من فصول ذلك الكتاب القيم تاريخ النزاع بين العلم والدين للدكتور البحاثة جون ويليم دريبر. وهو الفصل الذي يحتوي الكلام على الروح العلمية عند العرب وأسبقيتهم الغرب في وضع أساس العلوم وقواعدها. وهو يكاد يكون من الكتاب واسطة عقده.

يقول الدكتور ويليم دريبر: إن الصداقة التي جرت بين عمرو بن العاص فاتح مصر وبين حنا النحوي. لندل على مبلغ استعداد الذهن العربي لقبول الآراء الحرة. والأفكار المطلقة. وإن وثبة ذلك الذهن من عبادة الأوثان إلى دين الوحدانية الذي جاء به محمد قد هيأت له من العلم كل سبب. وأفسحت له ميادين الفلسفة والأدب. وكان أكبر معين على ذلك عقيدة القضاء والقدر التي نزل بها القرآن. ومؤادها أن ليس في مقدرة أحد من البشر أن يعجل أو يؤخر يومه المحتوم. وإن الموت يدركنا وإن كنا في بروج مشيدة. ولا تدري نفس بأي أرض تموت. لا يعلم ذلك إلا الله فالمسلمون هم الخاضعون لإرادة الله المذعنون لقضائه. وهم يجمعون بين مذهبي التسيير والتخيير بقولهم انا أعطينا صورة الحياة فعلينا أن نلومها كما نشاء. ويقولون أننا إذا تغلبنا على القوانين الطبيعية فلا ينبغي لنا أن نقاومها. وإنما يجب أن نوازن بينها ونكافئ.

فكان من هذه العقيدة المظلمة أن أعدت أربابها والمستمسكين بها إلى النهوض بأعمال كبار وإنجاز مآثر عظام. وقد شهدت ما كان من العرب وكبرى فعالهم إذ ردت اليأس فيهم اعتزاماً واستماتة. وعلمتهم احتقار الأمل. والسخرية من باطل الأماني.

ومن هذا يتبين لك الفروق بين الأمم المسيحية والإسلامية فقد كان المسيحي مقتنعاً بوجود تداخل مستمر في قضاء الله. وكان يعتقد أن ليس هناك ما يسمى بقوانين طبيعية يسير عليها الكون. بل قد يستطيع بصلواته ودعواته وتضرعاته أن يجعل الله بغير له نظام الأمور. فإذا لم تفلح دعواته عند الله ولم تتقبل صلواته وتسبيحاته. فقد تفلح عند المسيح أو العذراء أو القديسين. أو بتأثير المخلفات. وبركة الرفات وعظام الصالحين. فإذا لم تغن عنه أبتها لأنه. فقد يفوز بقضاء أربته بتوهط القسيس أو غيره من رجال الدين. ولاسيما