للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عجز الذهن البشري]

عن إدراك خفايا الأشياء

للبروفيسر وليم جمس

أجل إن من الخطأ سر اللذة في شؤون الحياة فقد أخطأ كل شيء هذه هي الحقيقة التي لا ريب فيها ولا مراء، بيد أننا محدودون قد انحصر نظرنا في لذة خصوصية لا نكاد ندرك سواها وقد عميت أبصارنا عن كل ما عداها، وكأن كل ما نستجمعه من مجهود لننفقه في نيل وطرنا الخاص لا يتم لنا إلا بالانصراف عن كل ما عداه نم أوطار الدنيا وبتقسية قلوبنا وتحصينها ضد ما خالفه من أغراض الحياة وشهوات العيش، هكذا خلق الناس وعلى هذا جبلوا وطبعوا، ولا يستثنى من سوادهم في هذا الصدد إلا أفراد قلائل بين شاعر أو قصصي أو فيلسوف في أودية الخيال قد هام، وأسلم ذهنه لأفانين الأحلام والأوهام ففي أمثال هؤلاء وأشباههم نم رجل اعتيادي عملي يصيب العشق حبه وفؤاده فيدرجه في سلكهم ويدخله في زمرتهم أقول في أمثال هؤلاء تنصدع هذه القيود وتنهار جدران هذا الجمود، وتتقوض تلك الأسوار الخارجية، وتنتهك هاتيك الحجب الظاهرية، فتبدو للعيان أسرار الحياة الباطنة، وتتجلى للإنسان مكنونات العواطف الكامنة، ويعود هذا العالم الخفي الوجداني المستسر النفساني، قد أضاء الذهن بأنوار حقائقه الزاهرة، وأنار نواحي الروح بأشعة سرائره الباهرة، فحينئذ يدرك المرد من أكناه الأمور وماهيات المسائل ما لم يكن يعلم،، وعندئذ يعرف أن ما قد وضعه لأشياء هذه الحياة وشؤون هذه الدنيا وأغراض هذا الوجود وأوطار العيش من أقدار، ومن قيم وأخطاء، كان كله خطأ وزوراً ومكذوباً، فيلتبس عليه نظام هذه القيم ويتشوش، ويختل ميزان هذه الأقدار والأخطار، وعندئذ تضمحل في نظرنا أوطار الشخصية السخيفة، وتتلاشى في أبصارنا مآربنا الذاتية الضيئلة الضعيفة، وعندئذ تبدو لنا الحياة في صورة مغايرة وهيئة مخالفة مباينة.

وهذا التغير والاختلاف قد أجاد وصفه واحكم بيانه زمبلي جوسيارويس حيث قال في إحدى رسائله الكلمة الآتية:

(ماذا تبصر أيها الرجل في جارك؟ أنت ترى في أفكاه وخواطره وفي مشاعره شيئاً مخالفاً لما يضمره جنانك، وينطوي عليه وجدانك أتن تقول لنفسك أن آلامه وأشجانه ليست كآلامك