للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حضارة العرب في الأندلس]

أقاليم الأندلس ومشهور بلدانها

تنقسم الأندلس إلى أقاليم عدة وفي كل إقليم من المدائن الكبار والقواعد الممصرة والقرى والحصون والقلاع ما يخطئه العد والإحصاء، ونحن ذاكرون هنا من هذه الأقاليم والبلدان ما لا بد منه للاستبصار بهذا القطر الأندلسي إن شاء الله.

فمن أقاليم الأندلس إقليم جليقية ويقال غليسية أيضاً وهو ناحية كبيرة تطل على البحر المحيط في أقصى شمال الأندلس من جهة الغرب - وصل إليه موسى بن نصير أوائل الفتوح، وغزاه لعهدنا هذا الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر أدام الله ملكه. وأشهر مدائن هذا الإقليم مدينة شانت ياقو أو ياقوب ومعنى هذه الكلمة بلسان الإشبانيين يعقوب المقدس لأن ياقو في لغتهم يعقوب وشانت معناه المقدس، وذلك أن يعقوب الحواري زعموا أحد الاثني عشر وأخصهم كان بالسيد المسيح جعل يستقري الأرضين داعياً لمن فيها وما زال حتى انتهى إلى هذه القاصية ثم عاد أدراجه إلى أرض الشام فمات بها وله مائة وعشرون سنة شمسية فاحتمل أصحابه رمته فدفنون في هذا البلد وبنوا له كنيسة هي عندهم بمنزلة الكعبة عندنا فيها يحلفون وإليها يحجون من أقصى بلاد روما وما وراءها.

ومن أقاليم الأندلس إقليم البشكنس وقشتالة ونبره وسردانية وألبه وقطالونية وأرغون وجميعها في شمال الأندلس خلف جبال وادي رامة التي تمتد بين مدينة قبره وبين مدينة سرقسطة وقد غزى المسلمون جميع هذه الأقاليم واستولوا على كثير من بلدانها كما سيمر بك في التاريخ.

وهذه الأقاليم هي أردأ أقاليم الأندلس، فإن أرضها قفر يباب هدف للبرد القارس والرياح الهوج والمطر الثر - أرض صالحة للمرعى ولكنها في كثير من أنحائها لا تصلح للزرع، ومن هنا لم يحفل بها العرب وإنما كانوا يغزونها من حين إلى حين رغبة في كسر شرة أهليها ومرغمة لأنوفهم، وقد جادوا بها للبرابرة الذين يمتلكون أكثرها لعهدنا هذا أعتاباً لهم وتقية لشرورهم. ومن بلدان هذه الأقاليم ليون وبرغش وبنبلونة ووشقه وبربشتر واسترقة تطيلة

وخلف هذه الأقاليم الشمالية للجنوب سائر بلاد الأندلس الحلوة الجميلة المريعة الكريمة