للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[كشكول البيان]

تفاريق علمية. وأدبية. وفكاهية. وتاريخية: ونظرات في سير مشهوري العلماء. والمخترعين: وشذرات في أخبار العالم وأحداثه الحاضرة.

أيها البحر

اللورد بيرن أكبر شعراء الإنكليز في القرن التاسع عشر وله قصيدة اسمها (تشايلد هارولد) من أبدع ما جادت به قريحة شاعر وفي هذه القصيدة قطعة رائعة يخاطب بها البحر آثرنا نقلها إلى العربية وهي هذه.

أيها الأزرق الرجراج جش كما تشاء، وتدفع في وشى الحباب، فعبثا تعلوك الأساطيل في عددها العديد، إنها لن ترك بك أثراً. إنما على وجه الصعيد يمرح الإنسان، وفوق الثرى يترك الرسوم والأطلال آيات علا مساعيه والمآثر. ودلائل على معاليه والمفاخر. ويترك الأربع الخاوية. والدمن العافية.

لا يدري البلا فيها سطور مبينه ... عبارتها أن كل بيت سيهدم

ولكن سلطانه عند شاطئك محدود. وعن حرمك المنيع مردود ومصدود.

أيها البحر! على قفارك السيالة وبطاحك اللجية جل فعلك التحطيم والأغراق وفي جوفك الرغيب وصدرك الرحيب، جل آثار البشر أنقاض سفين. وأشلاء مسكين، ثم لا يبقى عليك من مطامع الإنسان ومفاتكه ظل ولا شبح إلا خياله، إذ يطفو في لجك الفوار ويرسب برهة ثم يهوى في ظلماتك الحالكة له زفرة تحت أروقة الماء راغية. هنالك يثوى لا جدث ولا صلاة ولا كفن ولا جنازة ولا آية ولا أثر.

لا مضطرب للإنسان على ظهرك، ولا متصرف له في مناحيك، ولا حماك بمستباح له ولا مطاك بمذلل، ولا سوحك بمرتع، ولا عرضاتك بمعرح، وليس من ميادينك يستفيد الغنائم ويأخذ الأسلاب. يأبى ذلك أنفك وحميتك وسورة لك كسورة الأقعوان الصل والضيغم الضايرم. يجرأ عليك الإنسان ويبسط القدم في سبلك وتغره من وجهك الطلق ابتسامة وضاءة فيراه في مأمن حتى إذا رنح الزهر عطفيه، ولوى التيه ليتيه، ترث به فنفضته عنك كما ينفض الليث البعوض عن لبده. محتقراً منه تلك السطوة التي يفسد بها الأرض ويسطو بها، على البر كلما أقدم عليك وظن أنه قد استمكن من صهوتك هجت عيه فحذفته