للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[آثار تهذيبية]

ست عشرة رسالة حكيمة

من رسائل الفيلسوف سنيكا إلى صديقه لوسليوس

(تابع ما قبله)

الرسالة الرابعة في الخوف من الموت

سر في هذا الطريق الأبلج وأسرع فيه ولا تتئد ما وجدت إلي ذلك سبيلاً وأعلم أنك ستبتهج وتسر سروراً طويلاً بما تنال نفسك من التهذيب والكمال بل ثق بأن سلوك هذه الجادة من تزكية النفس وتكميلها فيه من السرور واللذة ما فيه وإن كان السرور برؤيتها كاملة خالية بقدر الإمكان من العيوب لا يعادله سرور لا يضارعه حبور، أنك لا يمكنك أن تنسى أن فرحك كان عظيماً يوم خلعت رداء القضاء الأدنى وألبست رداءه إلا على وسيريك في موكب لجيب حتى إذ حلت الديوان فكم لعمري يكون مقدار سرورك إذا خلعت آخراً عن رقبتك نزعات الشباب وأغلاطه وأحلتك الحكمة في مصاف الرجال.

إن الشباب وإن ذهبت عنا أيامه لكن مما يؤسف عليه أن تبقى فينا نزعاته بل مما يزيد في الأشجان أن نكون شيوخاً في السمة والوقار ثم تلازمنا مع ذلك عيوب هذا الشباب بل مخاوف الطفولة، ومع أن مخاوف الشباب تافهة ومروعات الطفولة خيالية فقد اجتمعتا فينا كلتاهما وأنك لو تقدمت في الحكمة قليلاً لعرفت أن طائفة من حوادث الدهر ونكباته ليست بالمخيفة بالمقدار الذي ترتاع لوقعها منها النفوس فالشر ليس بالعظيم إذا كان خاتمة السرور والموت إذا أقبل فإنه يحق لك أن ترتاع منه إذا كان غير متخطيك ولكنك تعلم حق العلم أن لك فيه سابقين كما أن لك فيه لاحقين، ولقد تقول لي أني ليعسر علي أن أحمل النفس على الازدراء بالموت وأن استسهل صعبه فأجيبك أنظر في أحوال الناس وأحكم كم ترى من صغائر ولدت في النفوس كراهة الحياة واستسهال الموت فهاهنا نسمع بعاشق شنق نفسه على باب معشوقته وهناك نشاهد عبداً مملوكاً خاف قصاص مولاه فألقى بنفسه من أعلى سطح داره وفي جهة ثالثة نسمع بشقي خشي العود إلى الأصفاد والأغلال فطعن نفسه طعنة نجلاء ليرتاح من العذاب وأنك لتعلم أن ليست الشجاعة هي التي جرأت هؤلاء الناس على الإقدام على ما أقدموا عليه من الموت وإنما هو الخوف وشدة الهلاع، والخوف