للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الأرق]

فوائده - أسبابه - أنواعه - دواؤه

نحن أهل هذا العصر مصابون بالأرق، حتى لقد كان يغلبنا الوهم أنا مصبحون عما قليل جيلاً مسهداً مؤرقاً وإن الأرق ومنهكة الذهن ومتعبة الأعصاب سائقتنا ولا ريب إلى مستشفيات المجاذيب، ولكنا في وهمنا مخطئون لأن الأرق الرقيق المتقطع الذي يعرض في الحين بعد الحين ليس مرضاً أو خطراً. إذ كان أكبر آراء الدنيا البدائع التي عملت على تهذيب الإنسانية ورقيها وأبهم مشكلات العلم ومستغلقات المسائل، لم تخطر ولم تحل إلا في ساعة يقظة غير محبوبة ولا مطلوبة وخلال سهد مكروه مسترذل، والذهن القوي الذي يأرق هو غالباً الذهن الحاد الفعال المفكر وإن كان ثمت أذهان لا تكاد تنام أو تهجع لأنها أذهان فارغة مختلة مجنونة.

فإذا وجدت إنك لا تستطيع نوماً لأن ذهنك يأبى إلا أن يفكر ويسير في تفكيره فدعه مسترسلاً فيه ولا تقطع عليه عمله وثق أنه لن يصيبك أو يصيب ذهنك كذلك ضر أو سوء. ولعلك تخرج في هذا المأزق الملعون طائفة من الآراء الصائبة النافعة. فإذا تعب الذهن وأجهد قواه بعد حين فأنت واجده ولا ريب مذعناً عند ذلك إلى الرقاد والنعاس.

هذا ولا ينبغي أن يضطرب بالك إذا رأيت أنك قد اعتدت أن تأرق مرة في الأسبوع ومرتين أو ثلاثاً في الشهر ولا تظن أنك مقدم على مرض، وإنك سوف تصاب بالميلا خوليا والاضطرابات العصبية العديدة فإن جميع الذين يسهمون في حركة العالم ويأخذون نصيباً ذهنياً من مشاغل النهار وأعماله ويعيشون على التفكير والتدبير معروضون ولا شك لأوقات تنبه فيها قواهم المفكرة وتأرق أداة تفكيرهم. وهم مع ذلك يطلبون الراحة والنوم. ومن ثم فلا ينبغي لهم أن يظنوا ذلك إعراض مرض أو ضعف أو اضطراب، بل على النقيض منها دلائل صحة وقوة وانتظام.

ولا يجب أن يندهش القارئ إذا قلنا أن الأرق الرفيق المتقطع في الحقيقة لا يحدث أدنى ضر أو سوء، لأن للذهن القوي السليم من القوة الاحتياطية المختزنة ما يكفل له أن يحتمل خسارة ساعتين أو ثلاث أو أربع من النوم في الأسبوع، بل ليال معدودات في أوقات الشدة والكرب، دون أن يكون عليه من ذلك ضير أو شر، غير ضعف وقتي وفتور يذهبان بنوم