للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[نوابغ العالم]

ابن الرومي

بقلم الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

الفصل الأول

في تاريخ ابن الرومي

لقد كان هذا الفصل بغير هذا العنوان أحق، لانالا نرجو أن نؤدي للقارئ ترجمة لهذا الشاعر محكمة الحدود، مد محبة التأليف، واضحة الطريقة، ولا نستطيع أن نخرج به من هذه الظلمات التي أرخاها عليه إهمال المؤرخين السابقين من العرب، وأسبلها على حياته حظ الأعمى، وجده العاثر.

لست أعرف رجلاً أصابه ما أصاب ابن الرومي ولا عظيماً تهاون به النا حياً وميتاً وتناسوا ما يجب له إلا هو، بل لست أعرف قوماً هم أشد استصغاراً لكبرائهم، وأقل إجلالاً لرجالاتهم، وأعظم تهاوناً بحقوقهم، وأضأل تنبهاً لأقدارهم من العرب. وليس يخفى علينا أنّ هذا القول سيقع من نفوس البعض موقعاً سيئاً ويصادف منهم كل السخط وأشد النفور، لأن للقديم روعة وجلالاً وقدراً في النفوس، ومهابة في الصدور، وللجديد المباغت صدمة يضطرب لها الذهن، ويتبلد لها العقل حتى إذا سكنت الطبيعة واطمأن الروع وثابت النفس تبين المرء مبلغة من الصواب وحظه من السداد، ومن أجل ذلك قالوا ينبغي أن يكتب الكاتب على أن الناس كلهم أعداء وكلهم خصوم بيدان من راض نفسه على توخي الصدق والتجافي عن قول الزور ومن شأنه التوق إلى أن تقر الأمور قرارها، وتوضع مواضعها. ويربأ بنفسه عن مرتبة المقلد الذي يجري مع الظاهر ولا يعدو الذي يقع في أول الخاطر سيتابعنا في رأينا هذا ويؤاتينا على ما نقول وإن آلمته الصدمة، فإن الحق وإن كان صادق المرارة إلا أنه حق. ولنحن خلقاء أن لا تدفعنا العصبية الباطلة والتشرف الكاذب إلى وصف الزور ونسج الأفك وتمويه الحق وتلبيسه بالمين والبهتان، وماذا علينا إن فارت بعض النفوس من الغضب وثارت بها الحمية المصطنعة والحفيظة الملفقة وشهوة المباهاة الكاذبة؟ وما نبالي من سخط ممن رضى إذا نحن اخترنا كل ما فيه للتاريخ رضوان، وهل ترى غضبهم يغير الحق الصراح المعلوم في بدائه العقول؟ أم هل ينفي تسخطهم أن