للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[روح الطفولة]

في

الأدب المصري

إن أخلاق الناس وقوة نفوسهم وأعصابهم وأذهانهم، وأساليب العيش الذي يعيشونه، وروح الفن الذي يحملونه في كل وجوه العمل، ومطالب الحضارة، لا يمكن أن تتجلى في صورة واحدة، إلا في الآداب التي تخرج من الناحية السامية فهيم، وهي كتابهم وشعراؤهم وأهل التفكير منهم. وأنت فإنك تستطيع أن تدرك طرفاً من عواطف الفرنسي ونظام بيته وأخلاقه وقوة الروح الفنية عنده من قراءتك كتب فيكتور هوجو وحدها، وإن لم تنعم برؤية فرنسا آخر حياتك، ولم تتقلب في بلادها وتدخل مغانيها وبيوتها، وتظفر بصداقة جميلة مع طائفة، من أفرادها، وكذلك تستطيع أن تفهم من الأدب العربي أي نفوس كانت تحمل العرب، وأي أعصاب كانت لهم، وأي أخلاق كانت تختلق، بل أنك قادر أن تتبين مثلاً من طرازهم في العمارة وهذه التعاريج والتثنيات والمتداخلات التي كانوا يزينون بها. شرفات قصورهم ومطلاتها وقبابها، روح الجاحظ في ثرثرته وزيغاته، ومعرجاته، واستفاضاته. ومن أدبهم الذي لم يكن يحتوي غير حكايات قصار ونوادر موجزة وأبيات أفذاذ وكلمات طيبة مقتضبة، تستطيع كذلك أن تعلم أنه قد كانت لهم نفوس قلقة، وقلوب وثابة، وأعصاب حارة ملتهبة، فلم يكونوا ليطيقوا الصبر على البحث الأدبي المستفيض والكتابة التفكيرية الممتدة، اللهم إلا في حدود الفقه والحديث وعلوم التربية وأشباه ذلك. وهذه كانت لا يطيقها إلا شيوخ منهم يحسبون فتور العلم ويحملون في أعصابهم العلمية برودة القطب.

وإذا تقرر ذلك فإن الأدب المصري الحاضر لا يزال يحمل مفاسد الجيل وطبائعه، وأخلاقه وعوارض الانحطاط السائد في كل ناحية من هذه الحياة المريضة التي نعيشها، ونحن واجدون في كل ما يخرج من أفواه شعرائنا، وتقذفه علينا المطابع من أقلام كتابنا وأدبائنا، صوراً شتى من غرائب الطبائع المصرية التي نشهد أثارها في البيت والشارع والمكتب والديوان، إذ كان أكثر كتابنا وشعرائنا وأدبائنا لا يكادون يمتازون عن سائر الشعب في عامية النفس وجمود الروح وضؤولة التفكير، فكل ما يكتبون وينشئون يجري مع مطالب الجمهور وينزل على حكم السواد الأعظم، ويدخل على قلوب العامة وأشباههم من ناحية ما