للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أحداث الشهر]

مسألة آدم

حدث في هذا الشهر حادث دوَّى صداه في المجتمع المصري تدوية بعيدة يتضاءل إزاءها دوى المدافع الضخمة، مدافع لياج وانفرس. . . وأحدث في أنفس الطبقات المهذبة المستنيرة أثراً سيئاً أعقبه سخط عام وتذمر شديد متميز يدل على نفسية هذا العصر ومزاجه العصبي الحساس الذي يهيجه إلى ما به ويستثير مقته وغضبه أهون الشيء من الحماقة والسخف وفساد الذوق، إلى غيرها من المعاني التي لا تتمشى مع روح العصر ومطالب الأمم الناهضة الوثابة، ولا تتكافأ مع حاجات الاجتماع وتكاليف الحياة الإنسانية العالية.

لا يزال في الناس ناس كأن عيونهم في أقفائهم فتأبى طبيعة النظر فيهم إلا أن تمتد إلى وراء وتخالف سبيل الحياة في الأحياء، فهم يعيشون بأرواح ماضية قد فرغ الموت منها ويبتعثون سنن الأعصر الخالية التي أفاض عليها تاريخ الإنسانية سيولاً من دمائه ودموعه، ويحتذون حذو من قبلهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع فيزرون على سماحة الإسلام ويغضون من بهجته ويضيقون من رحبه ويرسلون في لجته الصافية من لهبات محاكم التفتيش الإسبانية في القرن الخامس عشر وإن كان اللهب لا يحرق الماء ولا يغور إلى أعماقه.

والحادث الذي نحن بصدده هو أن (الشيخ محمد أبو زيد) وهو أحد خريجي مدرسة دار الدعوة والإرشاد رجل فيما بلغنا صالح تقى غيور على دينه، فارتأى أن هناك حاجة ماسة إلى الإصلاح الديني غير أنا نلاحظ عليه أنه احتذى في ذلك حذو زعيمه الشيخ رشيد رضا صاحب صحيفة المنار، وأنه ظن أن كل ما هنالك هو مسائل الزار وكرامات الأولياء وهل الأنبياء معصومون أم غير معصومين وهل آدم نبي أم غير نبي إلى أمثال هذه الموضوعات التافهة العقيمة التي لا طائل وراءها، والتي يعد الفائز فيها والمهزوم سواء في السخف، والتي أنبأنا التاريخ أن أمة من الأمم لا تأبه لمثلها وتكثر من الجدل والمناظرة فيها ألا في دور انحطاطها كما كان من زعماء النصرانية البيزنطيين إذ كان كل بحثهم في اللاهوت المسيحي والأتراك على أبواب القسطنطينية، وكما كان من علماء الشيعة وأهل السنة من الخلاف في بغداد أواخر الدولة العباسية والتتر على أبواب دار السلام.