للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصورة المشؤومة]

للروائي الروسي الأشهر نيقولايف جوجول

(الفصل الأول)

ما ازدحم المتفرجون قط على شيء ازدحامهم أمام دكان الصور الصغير بشارع (تشو كينيو دفور) بمدينة (بتروغراد) إذ الواقع أن هذه الدكانة الصغيرة كانت تتضمن أعجب خليط منوع من نوادر الصور المختلفة، وكان معظم هذه الصور من الرسومات الزيتية مطلية بصقال قاتم تحفها إطارات ملوثة قذرة عتيقة وكان من بينها المناظر الشتوية بأشجارها المثلجة البيضاء، والأصائل الذهبية والمغارب الشفقية القرمزية كأنها الحرائق المشتعلة. وصورة تاجر هولندي نفاج منتفخ هو أشبه بالديك الرومي منه بالآدمي. وعدة من صور الضباط والجنرالات يعرفون بسيماهم وأنوفهم المقوسة وقلانسهم المثلثة.

قليل جداً من يتقدم لاشتراء هذه الصور ولكن ما أكثر النظارة والمتفرجين. فمن خادم بطيء متلبد يتثاءب أمام تلك الصور وقد بردت في يده صحون الطعام قد جاء بها من المطبخ يحملها إلى مكتب سيده الذي قضى الله أن لا يأكلها إلا مثلجة. ومن بين المتفرجين أيضاً الجندي الملتف في عباءته وبائع الأمتعة القديمة يعرض للمبيع مديتين ودلالة تحمل عيبة أنسجة، وكان كل يظهر سروره بتلك الصور وإعجابه حسب أسلوبه الخاص، فالجندي يلمسها بيده وبائع القديم يتأملها بجد واهتمام والغلمان الخدام وصبيان المصانع يتضاحكون ويتعابثون وكبار الخدام يجعلونها ملهاة ومضيعة لأوقاتهم بالتثاؤب أمامها. والدلالات يقفن حيالها بالغريزة ليلتقطن ما يدور بين الجماعة من الأحاديث ويتسقطن الأخبار والأسرار - وتلك غريزة فطرية.

في فاتحة عهد قصتنا هذه كان الفتى المصور شاركتوف قد وقف بدافع نفساني قهري أمام تلك الدكانة أثناء مروره. وكانت عباءته القديمة وثيابه البسيطة الحقيرة تدل على شدة عكوفه على الفن وانهماكه فيه وتفانيه في إتقانه وصرفه البتة عن التفكير في شأن نفسه والعناية بأمرها من ملبس ومطعم ومنعم. وقف هذا الشاب المصور هنيهة أمام الدكانة الصغيرة وأمتع نفسه بضحكة خفية على تلك الفظائع المتنكرة في هيئة صور.

أطرق الفتى ملياً يفكر في تلك الصور ويسائل نفسه من عسى يشتري أمثال هذه الحثالة