للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[حديقة أبيقور]

نعود في هذا العدد فنقتطف ثماراً حلوة من حديقة أبيقور للكاتب الذائع الذكر أناتول فرانس.

فصل الجهل

لا أقول لكم أن الجهل هو الضرورية الأولى للسعادة بل أقول كذلك أنه شيء لا بد منه للوجود، لأننا لو عرفنا كل شيء لما استطعنا أن نتحمل الحياة ساعة واحدة، والباعث على احتمالنا الحياة هو مجرد أكذوبة. والحياة لا تغتذي الأمن عصارة الوهم.

فلو أننا ظفرنا بالحقيقة، وامتلكنا علم السماء، لهوت الحقيقة من بين أيدينا، وإذن لهبطت على العالم فدمرته تدميراً، وتقلص الكون أسرع من تقلص الظل، ولو سقط العلم الإلهي على الأرض لجعلها رماداً يذروه لريح في كل مكان.

لذة الألم

كنت أقرأ منذ أيام كتاباً لشاعر فيلسوف يريد أن يصور مجتمعاً من الناس خلوا من الفرح، متخلصاً من مادة الحزن، بعيداً عن عنصر الألم والقلق، ولكن كيف نحتمل أن نخرج من هذا العالم الذي ترى فيه الناس يتقاتلون ويحبون ويتألمون، فنحب حبهم، ونرضى بالألم معهم - هذا هو الفرح الحقيقي، وتلك هي اللذة الصادقة، لأن اللذة لا تزال في صميم الألم، كما يكون بلسم الجراح في جوف الشجرة الفينانة الكريمة.

إن قراءتي هذا الكتاب قد جعلتني أرتضي هذه الحياة الحزينة السوداء الأليمة. وأغرتني على الرضى بالناس والشعور بالرحمة لهم، بل قد أحسن إلي هذا الكتاب إذ حببني إلى الحقيقة وحضني من الوهم، فقد دلنا من مجتمعه الخالي من الشرور والآلام على أن أهله السعداء لا يشبهوننا وإنه من الحماقة الكبرى أن نفارق أرديتنا لندخل في أرديتهم، ونخف من حياتنا لنستبدلها بحياتهم.

لعمري ما أسوأها من سعادة،. . إننا إذا تجردنا من المشاعر تجردنا من الفن، وإذن كيف يكون من أمرهم. أنهم إذ ذاك لا يتذوقون الشعر الرهيب الفخم الرائع الذي يثير الخوف والبغض والحب، ولا الشعر الفرح البهيج الذي يضحك من شرور الناس، ويهزأ بنقائصهم، ويداعب آلامهم.