للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الانحطاط]

مقال مستفيض حار مؤثر تضطرم جوانبه اضطراماً كأنه نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة. . . . لكاتب مصري كبير لم يشأ أن يذكر اسمه، ألم فيه بجميع ضروب الانحطاط المستبد بأخلاقنا وآدابنا وجميع معاني الحياة اليومية التي هي قوام الأمم وسياجها والتي ينهد بناؤها ويتقوض دون الاحتفاظ بها والتفوق فيها، ونحن فأنا نعتقد صدق ما جاء في هذه الكلمة من الحقائق، وكل ما يؤخذ على الكاتب أنه صرح بالحقيقية التي قلما يجرأ كاتب عندنا أن يصدع بها وإذا اجترأ كاتب على ذلك في الندرة أصاب من القراء سخطاً عظيماً وعدوه كأنه اقترف جرماً كبيراً.

ليس في أحط شعوب الإنسانية الموحشة الضئيلة الإحساس من عوارض دناءة الحياة وبلادة الذهن والوجدان ما في هذا الجيل المجرم، المتحدر إلى الموت، المتطلب للفناء، هذا القطيع المتشتت المتقاطع الذي لا نخجل من أن ندعوه بالأمة، ونناديه في العرف بالشعب. وليس يه من مدلول كلمة الأمة إلا ضرب قاس من التهكم، ومعنى مر من السخرية. نحن نعيش في أكبر مظاهر المدنية، وننعم بأبدع مستخرجات الحضارة، ونتمتع بآخر ما وصل إليه ابتكار العقل الحي من وسائل الترف، ولكنا إذا استقصينا روح الحياة نفسها وجدنا أنا إنما نعيش في أكثف أحراش القارة المظلمة، وتتقاتل على الطعام بأشد مما يتقاتل عليه الزنج وأشباه الزنج من الحيوانات الدنيئة، ولقد ساد الانحطاط في حياتنا فلم يترك ناحية منها إلا استبد بها فنحن واجدوه في الأسرة والمدرسة وفي الحياة العملية وفي أساليب التهذيب وفي كل ما تمتد إليه أيدينا، وكذلك نعيش عيشة متكلفة خداعة دنيئة، بل لقد اكتسبنا من تسويد الانحطاط عدة من الطبائع الغريبة التي أبادت ضروباً من الأنواع الحيوانية الأولى، ونحن مهما احتلنا لمخادعة الطبيعة القاسية التي لا تشفق على كل عنصر غير صالح للأرض، ومهما موهنا ورأينا وارتدينا شمائل الأحياء وظهرنا في مظهرهم فإن معاني الانحطاط والتقهقر تعمل ولا ريب في صمت، وتقذف بنا إلى هوة العدم والفناء، وليس ثم من شيء أعجب من خصائص الأوساط المتقهقرة والبيئات المنحطة، إذ كنا نحصن أنفسنا بكل وسائل اللؤم والجبن، والجمود من أن يدخل على حياتنا الضعيفة دليل من دلائل الإصلاح والانتعاش والقوة، لأنا نخشى أن نفيق من لذة الانحطاط وتخديره وبهجته، ولذلك لا نفتأ نقاتل النهوض، ونحشد قوانا لمحاربة المفكر، ونبتكر أحط أساليب اللؤم لتأييد التأخر