للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أبطال الحرية]

الزعيم كوشيوسكو البولوني

ننشر تحت هذا العنوان كلما سنحت الفرصة، وواتانا الزمن، تاريخ أولئكم العظماء الذين وقفوا في طليعة شعوبهم، وسعوا سعيهم للنهوض بأممهم، وأسالوا مهجهم في سبيل إعلاء كلمة بلادهم، ومنحها الحقوق المقدسة التي أراد الله بالناس أن يكونوا في هذا الكوكب الأرضي ناساً بها، وجعلها المزية الأولى، واللازمة الواجبة للحياة، أولئكم البطال الذين إذا ذكرت أسماؤهم على أفواه أهل جلدتهم هزت قلوبهم هزاً، وأرسلت روح الملائكية تشع في حنايا أفئدتهم أولئك الذين يقفون يوم يحشد الله الناس أمام عزته الإلهية صفاً صفاً ويحشرهم جنداً محضرين، في الصفوف الأولى ممن الإنسانية خلف مواقف الأنبياء والمرسلين، وفي المكان السامي الذي أعده الرحمن لهداة الإنسانية ورسله الذين هذبوا من جوانب الحياة، بلا رسالة تنزلت عليهم ولا كتاب جاؤوا به، وإنما قاموا ووحي الله ينهض في جنوبهم، ونور السماء يضيء في أضلاعهم فكانوا أبطال الأرض الذين ظهروا أرجاءها من ذلال الظلم، ومفسدة حكم الإنسان للإنسان.

ولسنا نجد شخصية من تاريخ عظماء الدنيا وثبت في بلد من أغرب بلاد الله، هي أحق أن نبدأ بذكر ما كان منها لبلادها من شخصية الزعيم كوشيوسكو بطل بولونيا العجيب فتلكم أجمل صورة من صور أبطال الشعوب، ظهرت في أروع زمن من أزمان الدنيا، وهو الزمن الذي اجتمعت فيه فرنسا وبولونيا وأمريكا في صعيد واحد للاشتراك في حرب الحرية.

في المدرسة الحربية بفرسوفيا عاصمة البلاد البولونية، حوال عام ١٧٦٨ كان شاب بولوني يمشي في أفنية الدار ويخطر في رحاب المعهد، يشار إليه بالبنان ويوصف بأن لا مثيل له ولا ضريب في حميته للعمل وتوفره على الدرس والبحث، فبينما كان فتية المدرسة وقرناؤه في المعهد، يلهون ويمرحون، ويرتعون ويجرون في مراكض الشباب، كان يجري من المدرسة إذ ينصرف الطلاب إلى حجرته، فينكب ليالي طوالاً لا يغمض له جفن على دراسة كتب الرياضة والتاريخ وكان إذا عاكسه النوم وأخذ الكرى بمعاقد جفنيه يحاول طرده، ويتحيل الحيل للخلاص منه، فيضع قدميه في صبارة الشتاء في ماء مثلج،