للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مطالعات]

أبو الصلت أمية بن عبد العزيز

من بين شعراء الإسلام الذين ضربوا بسهم صائب في الأدب والشعر فضلاً أنهم ممن حذقوا صناعة الطب وفن الموسيقى والعلم الرياضي أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الداني الأندلسي. قال ابن أبي أصيبعة: بلغ في صناعة الطب مبلغاً لم يصل إليه غيره من الأطباء، وحصل من معرفة الأدب ما لم يدركه كثير من سائر الأدباء، وكان وحيداً في العلم الرياضي متقناً لعلم الموسيقى وعمله، جيد اللعب بالعود، وكان لطيف النادرة، فصيح اللسان، جيد المعاني، ولشعره رونق. قال: وأتى أبو الصلت من الأندلس إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة قم عادة بعد ذلك إلى الأندلس وكان دخوله إلى مصر في حدود سنة عشر وخمسمائة في خلافة الآمر بأحكام الله الفاطمي ووزارة الأفضل بن أمير الجيوش. قال: واتفق له وهو في الإسكندرية أن مركباً موقراً نحاساً وصل إليها فغرق قريباً منها ولم تكن لهم حيلة في تخليصه لطول المسافة في عمق البحر ففكر أبو الصلت في أمره وأجال النظر في هذا المعنى حتى تخلص له فيه رأي واجتمع بالأفضل بن أمير الجيوش وأفهمه أنه قادر إن تهيأ له جميع ما يحتاج من آلات أن يرفع المركب من قعر البحر ويجعله على وجه الماء مع ما فيه من الثقل فتعجب من قوله وفرح به وسأله أن يفعل ذلك ثم أعد له جميع ما يطلبه من الآلات وغرم عليها جملة من المال، ولما تهيأت وضعها في مركب عظيم على موازاة المركب الذي غرق وأرس إليه حبالاً مبرومة من الإبريسم وأمر قوماً لهم خبرة بالبحر أن يغوصوا ويوثقوا ربط الحبال بالمركب الغارق، وكان قد صنع آلات بأشكال هندسية لرفع الأثقال من المركب الذي هم فيه، وأمر الجماعة بما يفعلونه في تلك الآلات، ولم يزل شأنهم ذلك والحبال الإبريسم ترتفع إليهم أولاً فأولاً وتنطوي على دواليب بين أيديهم حتى بان لهم المركب الذي كان قد غرق وارتفع إلى قريب من سطح الماء وعند ذلك انقطعت الحبال الإبريسم، وهبط المركب راجعاً إلى قعر البحر. قال: ولقد تلطف أبو الصلت جداً فيما صنعه، وفي التحيل إلى رفع المركب إلا أن القدر لم يساعده، وحنق عليه الأفضل لما غرمه من الآلات وكونها مرت ضائعة وأمر بحبسه، وبقي في الاعتقال مدة إلى شفع فيه بعض الأعيان وأطلق.