للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أمالي البيان]

أقترح على البيان بعض أهل الفضل والأدب إدخال باب جديد بين زمرة أبوبه يكون موضوعه جمع ما هو مبدد في كتب الأدب - كالأغاني وكامل المبرد والعقد الفريد وزهر الآداب وإضرابها - من مستملح الأخبار ومستعذب الآثار. وسير الأدباء والشعراء والظرفاء والمغنين والمجان وأيام العرب وحكاياتهم المستطرفة حتى يكون ذلك مغنياً عن شتى الكتب ومطولات الأسفار وحتى يجد قارئ البيان من سير الماضين وأحوالهم ما فيه تفكيه للنفس وترويح للخاطر وتثقيف للفكر وأدب للناشئ وذكرى للمنتهى ولقد وقع هذا الاقتراح من نفسنا موقعاً حسناً وأصاب منها ما يصيب البارد العذب من الصديان فأجمعنا النية على أن نثبت في هذا الباب كل لذ ممتع من سير الماضين وآدابهم ونوادرهم مما تفرق في تضاعيف الكتب وثنايا السطور حتى يكون هناك شجرة أدب يانعة الثمر قريبة المتناول يهتصر قارئ البيان أغصانها ويجتني من كثب أثمارها وحتى تبلغ مسامع الكثير من شبابنا أخبار أسلافنا التي طال احتجابها عليهم وعز وصولها إليهم وهي عند النصفة أولى المعلومات بالعلم والمدارسة كيما نكون دائماً على ذكر من شؤن آبائنا الأولين وكيما يتصل السبب بينهم وبين نشئنا المولع بالغريب والمستهتر (المولع أشد الولوع) بالأجنبي الذي ليس بيننا وبينه لحمة جنس ولا لغة ولا دين مع أعراضه عن سلفه ورضائه بوصمة الجهل بشؤنهم وهي كما قلت نعمت المحصولات العلمية التي إذا جهلها منتسب لهذه اللغة استبدت به عجمة الأعجام وتقطعت حبال ما بينه وبين قومه وأنكرته آدابهم. ومحبته أذواقهم وكذلك ترى الكثير من أولئك في المحافل الحافلة على جانب عظيم من النكر وركود الريح ويبس الطبيعة فلا تأذن من ناحيتهم إلا كل قول أبنز عار لا تحليه ملحة ولا يزينه استشهاد ولا يتخلله أدب: كل ذلك لجهلهم بآداب أسلافهم وطرائفهم واحتقارهم إياها وهم بذلك إنما يجنون على أنفسهم ويسيئون إليها من حيث يدرون ولا يدرون

فيا أيها النشء أبناء الماضيين عليكم أدب أسلافهم قبل أدب غيرهم وليس يجعل بكم وأنتم سلالتهم أن تجهلوا ما هنالك من أدب باهر. وظرف ظاهر. وفكاهات ونوادر ولا والله لن تغني عنكم آداب الأغيار مالم تبتن على أدبكم أنفسكم الذي به تعتزون. وبجهله تذلون. ولتعلمن أن من أجنى ما تجنون على قوميتكم أن تجهلوا ماضي آبائكم وتستبدلوا بهم من لا شبه بينه وبينكم وإنكم إن فعلتم ذلك واسترسلتم ولم تتداركوا نسيتم ما ضيكم فأنساكم الله