للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مختارات]

كيف يسوس الرجل زوجه

للشيخ الرئيس أبي علي بن سينا

إن المرأة الصالحة شريكة الرجل في ملكه وقيمته في ماله وخليفته في رحله وهير النساء العاقلة الدينة الحيية الفطنة الولود القصيرة اللسان المطاوعة العنان الناصحة الجيب الأمينة الغيب الرّزان في مجلس الوقور في هيئتها المهيبة في قامتها الخفيفة المبتذلة في خدمتها لزوجها تحسن تدبيرها وتكثر قليله بتقديرها وتجلو أحزانه بجميل أخلاقها وتسلي همومه بلطيف مداراتها.

وجماع سياسة الرجل أهله ثلاثة أمور لا تدعه وهي الهيبة الشديدة والكرامة التامة وشغل خاطرها بألمهم.

أما الهيبة فهي إذا لم تهب زوجها هان عليها وإذا هان عليها لم تسمع لأمره ولم تصغ لنهيه ثم لم تقنع بذلك حتى تقهره على طاعتها فتعود آمرة ويعود مأموراً وتصير ناهية ويصير منهياً وترجع مدبرة ويرجع مدبراً - وذلك الانتكاس والانقلاب. والويل حينئذٍ للرجل ماذا يجلب له تمردها وطغيانها ويجنيه عليها قصر رأيها وسوء تدبيرها ويسوقه إليه غيها وركوبها هوانها من العار والشنار والهلاك والدمار. فالهيبة رأس سياسة الرجل أهله وعمادها وهي الأمر الذي ينسد به كل خلة ويتم تمامه كل نقص وينوب عن كل غائب ويغني عن كل فائت ولا ينوب عنه شيء ولا يتم دونه أمر فيما بين الرجل وأهله: وليست هيبة المرأة بعلها شيئاً غير إكرام الرجل نفسه وصيانة دينه ومروءته وتصديقه وعده ووعيده.

أما كرامة الرجل أهله فمن منافعها أن الحرة الكريمة إذا استجلت كرامة زوجها دعاها استدامتها لها ومحاماتها عليها وإشفاقها من زوالها إلى أمور كثيرة جميلة لم يكد الرجل يقدر على إصارتها إليها من غير هذا الباب بالتكلف الشديد والمؤونة الثقيلة. على أن المرأة كلما كانت أعظم شأناً وأفخم أمراً كان ذلك أدل على نبل روحها وشرفه وعلى جلالته وعظم خطره. وكرامة الرجل أهله على ثلاثة أشياء في تحسين شارتها وشدة حجابها وترك إغارتها.