للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[محمد رسول الله]

رأي شاعر من أكبر شعراء الفرنجة

العظيم أعرف الناس بالعظيم. والعظمة متقابلة في العالم متفاهمة. وإن عدا بعضها على بعض. أو مشى بالكراهية عظيم إلى عظيم. أو حقدت عظمة على أخت لها. وقد أدرك كثيرون من أبطال كتاب الفرنجة وفريق من عظمائهم وساداتهم. حق سيد المرسلين - محمد بن عبد الله - من العظمة وجلاله من النبوة. ومكانه من هداة الإنسانية فوثبوا إلى الدنيا بكتب جميلة عنه. وحشدوات الثناء بالخير عليه. ولم يتركوا قطعة من حياته. أو حادثاً من أحداث تاريخه إلا أخذوها بالشرح والتحليل. فانتصفوا له من أولئك الذين عميت بصائرهم فما رأوا جلاله. وأغلقت قلوبهم باكنة فما فقهوا عظمة ولا قدراً. وحسبك ما كان من الفيلسوف توماس كارليل في كتاب الأبطال فقد جاء بالعجب العجاب. وحشد للنبي الثناء المستطاب. وانطلق يفيض بتلك الشاعرية الكارلايلية الثرة الجياشة. ويتبسط في الإنصاف. ويذود عن النبي تهم الجهلاء. ويرفع محمداً صلى الله عليه وسلم إلى منزلته من سادة الكون.

وقد كنا لا نعلم أن وراء كارليل، في ناحية أخرى بعيدة شاعراً آخر. كان أبدع من كارلايل هذا وأورع. وهو شاعر ملأ شعره الأسماع ومصور للقلوب والعواطف صناع. ألا وهو الشاعر لامارتين سيد شعراء الفرنسيس وأكبر روائييهم وساستهم وكان النجم المتألق في دولة الشعر والكوكب المزهر في دولة ذلك العصر. فقد قرأنا له في الأيام الأخيرة تاريخاً وضعه عن عظماء الشرق. وافتتحه بسيد المرسلين فمضى فيه على خير ما يمضي المؤرخ العدل والحكم المنصف. وأنت تعلم أن الشاعر قطعة صغيرة من النبي. وأنه نصير من أنصاره. ومزمار من مزاميره ونغمة من نغمه. والشاعر يناجي القلوب والنبي يمس بنبوته ورسالته الأفئدة. على القلوب الإنسانية يجتمع الشاعر والنبي، وأنا النبي فيسكن ناحية منها فلا يخرج منها إلا مع الأنفاس الأخيرة ومحتضر الموت. والشاعر قد ينزل منزلاً أنيقاً من القلوب. ثم لا يني يخرج منها ليحل بعده شاعر أبلغ منه قصيداً، وأحلى منه شعراً وقريضاً. فلا تعجب أن ترى لامارتين قلباً من أكبر قلوب الدنيا. فتجلى عن عظمة ملأت آثارها الأرض. وذاعت في كل ركن من الحياة.